تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "بعد أن كان قارئ الشعر ذا ذائقة خاصة، أصبح الشعر اليومَ متاحاً لكل من يستطيع القراءة"، يقول الشاعر المصري في لقائه مع "العربي الجديد".
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- صارحَتني ناشرتي عند صدور ديواني الأخير بأن لا أحد يشتري الشعر، وهذا صحيح في معظم الأحوال في العالم العربي. لكن الناس يقرأون الشعر على فيسبوك وفي صندوق مسنجر وعلى تطبيق واتساب، وأيضاً يستمعون بل و"يشاهدون" الشعر في فيديوهات على منصة يوتيوب. أتمنى أن أكون شاعراً مقروءاً، لكني أجزم بأنني "مرئي" على صفحات التواصل الاجتماعي، أو حين أقرأ الشعر في المكتبات.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر، وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- نشرتُ دواويني الأربعة في ثلاث من أهم دور النشر المصرية، من حيث ارتباطها بالتجديد: "دار شرقيات" لمديرها حسني سليمان، و"دار ميريت" لمديرها محمد هاشم، و"دار المرايا" التي تدير النشر فيها دينا قابيل. أعتبر نفسي محظوظاً لأنني اكتسبت من كل تجربة شيئاً جديداً: مع "ميريت" يكتسب الشاعر اعترافاً بانضمامه إلى حركة التجديد في الأدب المصري في التسعينيات، ومع "المرايا" يكتسب اعترافاً بأنه على يسار المجتمع، ومع "شرقيات" يكتسب اعترافاً بالرصانة. لكن الناشر الذي استفدت منه حرفياً كان بلا شك حسني سليمان، فهو يقرأ كل حرف في المخطوطة ويناقش كل كلمة فيها. لهذا يدين ديواناي المنشوران عنده بالفضل إليه.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- هو الرئة التي يتنفس بها شاعر اليوم. لولا المواقع والمجلات الإلكترونية لضاق الفضاء الذي ينبسط فيه الشعر حد الاختناق.
■ هل تنشر شعرك على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم عليها؟
- أنشر معظم قصائدي على فيسبوك؛ في صفحتي أو في صفحات من يدعوني للنشر في زاويته على المنصة نفسها. هذا زمن شعر الفيسبوك. لهذا فالشعر يزداد قرباً من الشفاهية والنشر شبه التلقائي، لأن الكتابة على فيسبوك أشبه بتسجيل كلام شفهي. الميزة في ذلك هو أن تفاعل القرّاء مع الصفحات الافتراضية يعطي فكرة عمّا هو مؤثّر وعمّا ينصرف عنه الناس ويسمح بالتجويد. العيب هو استعجال النشر في الفضاء الافتراضي.
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم برأيك؟
- حتى نهاية القرن العشرين، كان قارئ الشعر "متخصصاً"، بمعنى أنه شخص ذو ذائقة خاصة، يستمتع بمشقة التعامل مع نوع أدبي أصعب في تذوقه من القصة والرواية. اليوم يتلقّى الناس "جميعاً" شعراً على هواتفهم وحواسيبهم، وبالتالي أصبح نموذج قارئ الشعر الافتراضي أقرب لكل من يستطيع القراءة في المجتمع.
■ هل توافق بأن الشعر المترجم من اللغات الأخرى، هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- لا أدري إن كان الشعر المترجم أكثر مقروئية من الشعر العربي اليوم. لكن المؤكد هو أن الشعر المترجم أصبح يشكل قسماً مهماً من المنتجات الثقافية التي يستمتع بها قارئ العربية اليوم، لا سيما بين المهتمين بقصيدة التفاصيل اليومية، أو قصيدة النثر كما تواضع الجميع على تسميتها. المدهش هو أن قصائد التفاصيل التي يكتبها جيل الألفية ممن وُلدوا في نهاية القرن الماضي وبداية الحالي تقترب كثيراً من لغة الشعر المترجم في أسلوبه وتركيباته. نحن شهود على تغيّر عميق يتشكّل في لغة الشعر.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية، وما هي نقاط ضعفه؟
- ميزة الشعر العربي اليوم أن لغته تتبدّل وتتحوّل. هذا دليل حيوية وحياة. نقطة ضعفه هو أنه حين يتخلّص من معجمه القديم يتقلّص عدد مفرداته. لكن لعل هذا في حد ذاته تحدٍ يحفّز الشعر على التجديد.
■ شاعر عربي تعتقد بأن من المهم استعادته الآن؟
- نجيب سرور. تستدعي قصيدة التفاصيل آباءها من مبدعي قصيدة النثر العرب: أنسي الحاج والماغوط ويوسف الخال. لكننا ننسى العبقري نجيب سرور الذي كان من روّاد التفاصيل واليومي في الشعر، رغم استخدامه للتفعيلة.
■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربي؟
- أن يظلّ على قيد الحياة. فالحياة لا تُطاق بدون الشعر.
بطاقة
شاعر مصري من مواليد القاهرة سنة 1965، درس الأدب الفرنسي والمقارن في جامعة القاهرة، وحصل على دكتوراه في الأدب المقارن والسينما من جامعة مونتريال. يعمل أستاذاً في الدراسات العربية بجامعة يورك بكندا. صدر له في الشعر "الموتى لا يستهلكون" (دار ميريت، 2001)، و"التي" (دار شرقيات، 2013)، و"قمر مفاجئ" (دار شرقيات، 2015)، و"كُشْك اعتماد" (دار المرايا، 2019)، كما ترجم كتابَين هما: "ترانيم الكروان" لـ منى لطيف غطاس (دار إلياس، 1994)، و"مدخل إلى الشعر الشفاهي" لبول زومتور (دار شرقيات، 1999).