حرية أصغر من السجن

12 أكتوبر 2016
أحمد نعواش/ فلسطين
+ الخط -

كلّما عدت من الموت
لم تستطع أيّ كاميرا
أنْ تجمعَ عائلتي في صورةٍ واحدة
دائماً كانَ يَنقصُ الإطارَ أحدٌ ما
ومع ذلك ما زالت الكاميرا تلتقطُ الصور
كذلك لم تستطعْ الشمسُ أنْ تضيء الأرضَ كلَّها دُفعةً واحدة
-تُضيء نصفَها على الأكثرِ في كلِّ نهار-
ومع ذلك، ما زالت الشمسُ تُحاولُ مع أنّ حوافَّ الأرضِ باردةٌ جداً
ولا يَصلُها من الشمسِ إلاّ ما يكفي الثلجَ أنْ يَشعرَ بالدفء
ولم يستطعْ الحبُّ أنْ يُغيّرَ الناس
مع أنه يُحاولُ، وهكذا ينقصُ الحبُّ في كلِّ يوم
ثمّ يختفي، وتبقى طبائعُ الناسِ على حالِها دونَ تغيير
وأخيراً لم يستطعْ أيُّ رجلٍ أنْ يعيشَ أو يموتَ أكثرَ من مرة
سواي
فأنا كلّما عشتُ أكثر، متُّ أكثر
ومع ذلك، ما زلتُ أُحاولُ أنْ أعيشَ حياةً كاملة
كلّما عدتُ من الموت.


آخرَ عينٍ مغلقة
السجنُ الذي أنا فيه أوسَعُ من حرّيتي
والآنَ عندَ منتصفُ الليلِ وأنت نائمة، أبحثُ أنا عن حدودِ سجني المتَّسِع
وأراقبُ حريتي تصيرُ أصغرَ مني، فقط كي أنامَ قربَ نافذةٍ لا تُطلّ على حلم
الحريةُ هي أنْ ترى طفلاً يُشرقُ في وجهِ أمّه
والحبُ هو أنْ يضحكَ الأبُ على حديثٍ بين أمٍ وابنِها في آخرِ اليوم
لكنّها حريةٌ أصغرُ من السجن
ثم تنامينَ لتَهبي حلمَكِ آخرَ عينٍ مفتوحة
ولا أنالُ منكِ سوى آخرِ عينٍ مغلقة
وأسيرُ لأبحثَ عن نافذةٍ السجنِ
النافذةُ قرينُ الجدار
والجدارُ هو نهايةُ السجنِ أو بدايتُه
قربَ النافذة، سأبني غرفةً صغيرةً تتسعُ لحريتي
سأنظرُ منها قبل أنْ أنام
سأهديكِ آخرَ عينٍ مفتوحة
وأهدي هذا السجنَ الكبيرَ
آخرَ عينٍ مغلقة.


المدينةِ تجلسُ في بقعةِ الماء
أرى بقعةَ الماءِ على الأرضِ فأشربُ انعكاسَ وجهي
لأنمو
ثم أمشي عليها وأستغربُ كلّما انحشرَت المدينةُ فيها
كلُّ المدينةِ تجلسُ في بقعةِ الماء
ووجهي يطلُّ عليها ليضفي عتمةً زائدة
ثم يأتي الحمامُ ويشربُ منها
فأنهَرُه كي يطيرَ لكنه يَهُدُّ المدينةَ بيتاً بيتاً
ويهتزُّ وجهي على بقعةِ الماء.
وحين تَجِفُّ تضيعُ المدينة داخلَها
وجهي فقط يبقى على الأرض
ولا داعي حينها أن يعودَ الحمام
أتابعُ السيرَ
حتى أرى بقعةَ الماء
وأرى وجهي عليها يغطي المدينةَ بعتمتِه الزائدة.


* شاعر فلسطيني مقيم في موسكو

المساهمون