اسم مدينتي كان قصيدة

13 اغسطس 2018
(الشاعر، تصوير: يئل باسكيس ييلا)
+ الخط -

عينان من ماء

لم أكن في حاجة مطلقاً
لكتابة بيتي الشعري الأوّل:
اسم مدينتي كان في حدّ ذاته قصيدةً
(كلمات رقيقة لنهر
يترجم شائعات الرمال)

أيدي أطفال
يعقدون آخر صيحات الضوء
في شَعر التلال
والقوارب تنشر أجنحتها
في رحلتها إلى بلد اليراعات.

فيما بعد
- عند منتصف الليل -
سأستيقظ لسماع
عدوٍ سحيقٍ
وسأفكّر بأن النجوم
تلعب لعبة الحجلة
بحروف اسم
هذا البلد - القصيدة،
الذي يفتح صدره
ويقدِّم للسماء
قلبه،
السائل،
السائل دائماً
كذكرى ليلة
من بين ألف ليلة من ليالي طفلٍ؛
كنور القصيدة
التي لن أتمكّن من كتابتها أبداً.

■ ■ ■


الجميلة النائمة وذلك الديناصور

حين استيقظتْ،
الديناصور- الذي كان ما يزال هناك -
كان قد أصبح أميراً.
ومنذ ذلك الحين،
تقسم الأميرة الجميلة أن الحكايات الخرافية
هي الطريقة المثلى لحكم بلد.

■ ■ ■


كيف تصير شاعراً؟

أخي، هناك من يقول إن هذا غير صحيحٍ،
ولكن عليك ألا تكون عاقلاً
لترغب في أن تصير شاعراً.
لأنّ كاتب أبياتٍ
هو دائماً يراعةٌ:
يترك شمساً في كل بصمة
ويأخذ أقماراً موشومة في الحنجرة.
يأخذ دائماً العيون الهاربة
وزوج أجنحة أخيطت على الظهر.

الشاعر يهبط إلى الجحيم،
يروّض الشياطين بشِعره،
ينقذ آنساتٍ
ويقتل تنانين بالقلم فقط كسيفٍ
وأبياته كدرعٍ،
ولكن لا تخف يا أخي.
من الأفضل أن تنسى ما قلته لك وأن تعرف
أنك إذا أردت أن تصير شاعراً،
يكفي أن تعثر على إلهام وأن تعيش.

كيف تكون شاعراً؟
ببساطة، يا أخي، أنا لا أعرف.
ولهذا السبب، كما ترى بنفسك، ما زلت أكتب أموراً مزرية كهذه.

■ ■ ■


تسوية مؤقّتة

تحلم الملائكة بألا تكون لها أجنحة.
تحلم بالجلوس على مقعدٍ
في أي منتزه
ذات مساء أحدٍ
لرؤية أوراق الأشجار وهي تتساقط.

البعض منها يرغب
في رفع الوزرة
وتكذيب الكاتدرائيات.
ولكن الأكثر جرأة،
أولئك يقتلعون أجنحتهم
ويذهبون في الشوارع
كاتبين معها
حروف صمتهم
أو راسمين على الجدران
حماقتهم العنيدة في معرفة الموت.

ولكن الموت
لا يكترث للملائكة الذين يكتبون
ولا يتعرّف على
الأغنية الحزينة لأقدامهم الجائعة
أو خفقان النجمة
المخبّأ في دمهم.

بالنسبة للموت
الملاك لن يكون شاعراً أبداً.
بالنسبة له
لن يصير أكثر من رجلٍ عجوزٍ في منتزهٍ
يراقب أوراق الأشجار وهي تتساقط
ذات أحدٍ.

لهذا يعتقد الموت أنه يملك الكلمة الأخيرة،
والشاعر العجوز يبتسم
وهو يتذكّر المكان حيث يحتفظ بجناحيه.

■ ■ ■


دروس أمّي في الحرية

تعلّمت من أمّي
الاستمتاع بتحليق طيور مالك الحزين
وفكّ رموز أحلامها
في رحلة العودة
إلى الأشجار الليلية.

كنّا نحاول أن نحسِبهم سريعاً،
ولكن سرعان ما كنّا ننسى الأرقام
مفتونين
ببياض النسيم في الوجه.

تعلّمت من أمّي
أن الحب الحقيقي
لا علاقة له بالقلب،
وإنما باليدين
لهذا السبب فإنني اليوم أؤمن بالحضن أكثر
من القبلات.

علّمتني أمّي أن أكتشف أبراجاً
في الماء النائم
وأن أسميها بكلمات بيضاء
كي لا تقع في إغراء الهاوية.

كنّا نتشارك ليالي الصيف،
على حافة زمنٍ متوقّفٍ،
نحدّق في السماء المشتعلة.
وهي كانت تصمت
وأنا كنت ألتهم صمتها.

اليوم أعرف الكثير من الأشياء عنها.
أعلم أنها دائماً ما تظاهرت بتجاهلِ
عقدة أوديب الأزلية التي أعاني منها،
ولم تهتمّ ولم تشعر بالعار
عندما قرّرت وأنا طفل
ألّا أعود للعب كرة القدم مرّة أخرى.

اليوم أعرف الكثير من الأشياء عنها،
على سبيل المثال،
أنّ أخذنا لرؤية تحليق طيور مالك الحزين
كانت طريقتها في غرس الحرية.

■ ■ ■


صوت يعطيني اسماً

صوتكِ يعطيني اسماً
مثل القمر بين جذور الماء،
مع رقّة الجبل
في أغنية طائر المُحاكي الشماليّ.
صوتكِ ينطق اسمي
ومن صدري ينطلق تحليق
سرب طيورٍ مظلمةٍ،
يمزّق جلد حقائقي.

صوتكِ ينادي عليّ
وفي الوقت نفسه يدقّ
بلا كللٍ
الدبابيس الحامية للرغبة
واحداً تلو الآخر.

صوتكِ
ممدوداً ندياً فوق السرير،
هو الملجأ حيث تعيش
ملائكتي الملعونة.

صوتكِ، يعطيني اسماً،
وحينها أوجد.


* Néstor Ulloa شاعرٌ وكاتب وأستاذ جامعي من هندوراس، وُلد عام 1978 في مدينة كوماياغوا. درس الأدب في بلاده، قبل أن يُسافر إلى إسبانيا؛ حيثُ التحق بـ"جامعة سالامانكا" التي تخرّج منها بشهادة ماجستير في تخصّص الأدب الأميركي. من مجموعاته الشعرية: "شمس منتصف الليل" في 2003، و"مرايا كارلوس" في 2006، و"خلف العطش" في 2014.

** ترجمة عن الإسبانية: إبراهيم اليعيشي

المساهمون