في ستينيات القرن الماضي، برز عدد من الفنانين التشكيليين المغاربة بمفردات بصرية تقطع مع الرؤية الاستشراقية التي فرضها الفنانون الذين رافقو الاستعمار من فرنسيين وإسبان، وأيضاً مع مقاربة جيل من الفنانين المغاربة الذين انهمكوا في تجسيد التراث باعتباره الهوية البصرية التي ينبغي أن يحتمي المغاربة داخلها لمقاومة الصورة التي ينتجها الاستعمار وفنانوه عن بلادهم.
استطاعت أسماء مثل فريد بلكاهية، ومحمد شبعة، ومحمد المليحي، ومحمد حميدي كسر هذه الثنائية وتدشين تجربة التحديث في الفن المغربي، وهي تجربة كثيراً ما توضع تحت تسمية موحّدة "مدرسة الدار البيضاء"، والتي تُعتبر اليوم الممثّل الرئيسي للحداثة التشكيلية في المغرب، على الرغم من صعود تجارب كثيرة من أجيال لاحقة.
في المعرض الذي يُقام حالياً في فرع "معهد العالم العربي" في مدينة توركوان (شمال فرنسا)، ويحمل عنوان "المغرب: هوية حديثة"، اختار المنظمون إقامة حوار بين تراث المغرب البصري وثلاثة من رموز "مدرسة الدار البيضاء"، هم بلكاهية وشبعة والمليحي.
هذا الخيار يتيح للمتلقّي أن يرى علاقات عميقة بين أشكال متنوّعة من المواد البصرية المغربية؛ مثل الزرابي والأزياء والحليّ والمعمار، والعناصر التي اشتغل عليها الفنّانون المغاربة الثلاثة مثل الألوان والخطوط، وكيف تتحوّل أغراض الحياة اليومية إلى مادّة للفن تستوعبها اللوحة بمعناها الحداثي.
يشير بيان المعرض، الذي يتواصل على 14 حزيران/ يونيو المقبل، إلى أنّ ما يجمع كل القطع المقدّمة هو "البحث عن رؤية للعالم تتجلّى من خلال منتجات الحياة العادية أو من خلال الفن"، ومن وراء ذلك تتيح كل هذه المواد أن نرى "هوية بلد تمتد على ثلاثة آلاف سنة"، بداية مما يُصنَّف ضمن التقليدي وصولاً إلى ما يُعتبر أعلى درجات الحداثة.