محمد ربيع وأحمد ناجي.. ديستوبيا خارج تنظيرات الفن

26 ابريل 2017
(من "جبل صافون" للنحات السوري نزار علي بدر)
+ الخط -

لم تنس التنظيرات الخاصة بتاريخ الأفكار، الغوص عميقاً في مسائل الواقع والعدمية ومن ثم الديستوبيا (المدينة الفاسدة أو الواقع الفاسد)، واتخذت تلك التنظيرات بُعداً أكثر كثافة في فرنسا بعد هزيمة الحراك الاجتماعي والطلابي عام 1968، تلك الهزيمة التي استولدت الكثير من الأفكار التي شاكست الواقع واليوتوبيا على السواء.

اهتمام جان بودريار على سبيل المثال في نظريته عن الواقع وإشكالياته وضرورة دفع تناقضات الواقع إلى نهايتها لتنفجر ومن ثم إعلان الكارثة المحدقة، هذا التناول للواقع بحسب مقدمة أحمد حسان لترجمة كتاب "أميركا" لـ بودريار يجعلنا ننظر إلى هذا البعد بأنه ليس تنظيراً فقط لفكرة التعاطي مع الواقع، بل التعاطي مع الديستوبيا كاستراتيجية صريحة وإيجابية في ذات الوقت تسمح للمرء أن يظل نقدياً.

الندوة التي عقدها أخيراً "المركز الثقافي الهولندي" في القاهرة عن الديستوبيا، وتحدّث فيها الكاتب محمد ربيع، وحاوره الكاتب أحمد ناجي أعطت انطباعاً عن غياب التنظيرات في الفن في ما يخص اليوتوبيا والديستوبيا أو على الأقل القطيعة تجاه تلك التنظيرات التي تناولت الواقع والديستوبيا على مستوى الفلسفة وعلم النفس والسوسيولوجيا، فلم يرم ناجي أبعد من الحديث عن اليوتوبيا باعتبارها مثالية تفتقد للنظام الديمقراطي منذ العصر الذهبي إلى اليوتوبيا الإسلامية، والحديث عن الديستوبيا باعتبارها نتاج النظام القمعي الذي ينتهي بخراب مروّع، واستشهد بحديث سابق مع الكاتب ياسر عبد اللطيف الذي اعتبر أن الديستوبيا نتاج اللحظة الزمنية الراهنة التي تنتهي بها كل الأنظمة الاستبدادية ويُعاد طرح أسئلة تتعلق بالهوية والقوميات.

خلال الندوة، تلقّى ربيع سؤالاً حول، إن كان يعي أن روايته "عطارد" تندرج تحت ما يسمى بالديستوبيا أثناء كتابته لها، فأجاب أن ياسر عبد اللطيف هو من أخبره أن هذه الرواية ديستوبية، فلم يكن مشغولاً بذلك أو يعيه.من جهته، تحدّث محمد ربيع خلال الندوة عن الأجواء الجحيمية في روايته، معتبراً أن منها ما هو مستلهم من الواقع الكابوسي. يذكر ربيع أن أحد القراء المؤيدين للنظام الحالي في مصر سأله: "ما دام المستقبل سيؤول إلى هذا الكابوس أليس من الأحرى أن نتمسّك وندعم حاضرنا حتى يحمينا من هذا الكابوس الأكثر ظلامية؟"، كما يسأل أيضاً حول الروايات الديستوبية في الغرب وما آلت إليه من تطوّرات جنحت إلى منحى الخيال العلمي. يرى الكاتب المصري أن هذه الأسئلة كان من الممكن أن تجيب عنها تنظيرات الديستوبيا وخصوصيتها في الكتابات العربية.

وبرغم حديثه عن "سفر الرؤيا" و"جمهورية فرحات" ليوسف إدريس، وكتاب "من عاش بعد الموت" للحافظ بن أبي الدنيا، إلا أن ثمة تحسّساً واضحاً من فكرة التصنيفات، فالمسائل التي يكثر فيها مقولات مثل "غير منشغل بالتصنيفات"، و"غير منشغل بالقارئ" .. إلخ، ربما هي أحد الأسباب الرئيسية في غياب التنظيرات لعدد كبير من الظواهر الفنية على مستوى واقعنا العربي.

المساهمون