وهذه هي المرّة الأولى التي تُمنَح فيها الجائزة عن دورتَين متتاليتَين منذ عام 1974، حين فاز بها الكاتبان السويديّان إيفند يونسون وهاري مارتنسون.
ويُنتظر أن يتسّلَم الفائزان، إلى جانب خمسة فائزين آخرين بجوائز نوبل المختلفة لهذا العام، ميدالية وشهادة وجائزةً نقدية تبلغ قيمتها تسعة ملايين كرونة، في حفلٍ يُقام في ستوكهولم في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، في ذكرى رحيل ألفرد نوبل عام 1986.
لكن، هل سيثير منحُ هاندكه الجائزة احتجاجاً، وهو الروائي الاستثنائي الذي قرأناه في "الشقاء العادي" و"المرأة العسراء"، ولكنه أيضاً صاحب الآراء السياسية المثيرة للجدل والأقرب إلى أن تكون يمينية؟
كل شيء بدأ بعد أن ألقى هاندكه خطاباً في جنازة مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش عام 2006، وهو ما أثار انتقادات على نطاق واسع، ودفعه إلى سحب ترشيحه لـ"جائزة هاينريش هاينه" في العام نفسه، بينما قُوبل فوزه بـ"جائزة إبسن الدولية" في 2014، باحتجاجات في أوسلو. فهل سيتكرّر الأمر نفسُه؟
المسألة الثانية التي قد تُثير انتقاداتٍ هذا العام، هي أنَّ منح الجائزة للكاتبة أولغا توكاركوك قد يُقرَأ على أنه محاولةٌ لإرضاء الأصوات التي طالما انتقدت "ذكورية" نوبل وتركيزها على الكتّاب الرجال في معظم دوراتها، وهو ما أعلنت الجائزة قبل أيام عن نيّتها تجاوزه.
والكاتبة البولندية هي الفائزةُ الخامسة عشرة بالجائزة منذ بدء "الأكاديمية السويدية" منحها في 1901، في مقابل 101 رجلاً فازوا بها. وكانت آخر الفائزات هي الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش (2015).
تنشغل توكاركوك بالمجتمع البولندي والحياة فيه وتاريخه الملتبس، وسبق لها أنْ فازت بـ "جائزة مان بوكر" الدولية لعام 2018 عن روايتها "الرحلات الجوية". أما هاندكه فكتاباته إنسانية الطابع، وتحاول تفكيك التعقيدات الشخصية والتجربة الإنسانية.
أيّاً كان، قد يُخفّف منح الجائزة لكاتَبين دفعةً واحدة من وقع فوز هاندكه بها، خصوصاً أنّ توكاركوك تقف في منطقةٍ مناقضة تماماً لـ هادكه؛ حيثُ تُعتَبر، أيضاً، نسويةً وحقوقية كثيراً ما أغضبت مواقفها اليمين البولندي.
لكنَّ ذلك لن يُلغي بالتأكيد الأسئلة حول رسالة نوبل التي أرادت أن توجّهها للعالم من خلال اختيارها هاندكه، ولا شكَّ أنَّ قراءاتٍ ستعتبر منحها لكتاب يمكن وصفه باليميني مناصرةً ضمنية لليمين الصاعد في العالم.
قد يكون الأمر برمّته محض تصريفة غريبة مِن "نوبل للآداب" المتعثّرة منذ سنوات، ومحاولةٍ لتبييض سمعتها بعد أن كشفت حملة Me too في 2017 عن حالات تحرُّش جنسي داخل المؤسسة العريقة، ما أدّى إلى حجب الجائزة لعامٍ وسط إشاعاتٍ عن إلغائها تماماً. وقبل ذلك، أثارت الجائزة علامات استفهامٍ كثيرة بعد منحها لمؤلف الشعر الغنائي الأميركي بوب ديلان المؤيّد للاحتلال الإسرائيلي.
لا شك أن الأدب يُبدعه الكاتب أياً كانت ميوله السياسية، وأنّ الأدب العظيم قد يكتبه، أيضاً، روائيّون وشعراء ذوو مواقف جدلية ومستفزّة سياسياً وحقوقياً. ولكن قرارَي "نوبل" هذا العام يفتح أسئلة كثيرة حول الأدبي والسياسي والعلاقة المتشابكة بينهما، وحول المرأة الكاتبة والرجل الكاتب ونظرة المؤسّسة بكل أشكالها إلى الأدب الذي يكتبه كلٌّ منهما.