سيد الضوي.. ختام الطواف حول المحروسة

29 سبتمبر 2016
(سيد الضوي، أنس عوض/ العربي الجديد)
+ الخط -

لم يحتمل أن يواصل الحياة من دون أن يغني، لأن مرضه الأخير أبعده عن الربابة والكلام، فرحل بصمت سيد الضوي (1934- 2016)، صباح اليوم الخميس، بعد أن اطمأن أنه زار جميع قرى مصر ونجوعها مرةً ليجمع من رواتها الحفظة السيرة الهلالية، وثانية لينشد لهم بصوته المعجز.

منذ أن بلغ العاشرة من عمره رافق والده الضوي الكبير على درب الشيوخ في الغناء الذي يطرب له الصعيد، خاصة، ويترنّم على بعضه أهل الحضر والبندر.

هكذا توارث القوّالون فن الواو أو "المربعات" (لأن القول يضم أربعة شطور) في قسمة عادلة؛ السير الشعبية وقصائد الحكمة الطوال وكل ما يرتجلونه للتعبير عن هموم الناس وشكواهم من جور الحكّام أو ظلم الأخ لأخيه، وقصائد العشق والحب التي كانت تؤنس لياليهم الموحشة في صعيدهم النائي.

اختار سيّد الضوي أن يكون شغله هواه، يعيش منه وعليه، وهو الذي امتلك ذاكرة غير عادية، وقدرةً على ارتجال الشعر في مكانه وزمانه المناسبين، وأداء قويّاً ومؤثراً لتمثيل أبطال "تغريبة بني هلال"، والتي قدّمها لأكثر من سبعين عاماً.

وكان قد شارك صديقه المقرّب الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي في جولاته لتسجيل السيرة الهلالية بنسخة توحّد الاختلافات عليها وفي توثيق "مربعات ابن عروس"، وقد تصديا حينها لانتقادات واسعة بعد أن أصبح الضوي يردّد في جلساته وحفلاته ما توصّل إليه الأبنودي - بعد بحث طويل – بأن ابن عروس تونسي لا مصري، كما يعتقد معظم المصريين.

في الصعيد الجوّاني، وتحديداً في ناحية قوص قرب مدينة قنا المصرية، ولد سيّد لعائلة أمسكت على ذاكرة ممتدة من الحفظة للنشيد المبثوث في الملاحم الكبرى التي توثّق بطولات الفرسان والحكماء ولا تنسى التذكير بخسّة الجبناء والغدّارين والسرّاق، فقرر التعلّم على يد والده وجدّه عوضاً عن أن يذهب إلى المدرسة.

ولأن القوّال يلزمه أستاذ يعلّمه الصنعة وكثير من التواضع، التصق سيد الضوي بمعلمه جابر أبو حسين وظلّ يناديه بـ"العم" حتى آخر نفس في حياته، لذلك جاء من بعده منشدون يحفظون مكانته ويتتلمذون على يديه، وفي مقدّمتهم زين محمود الذي حاول بدوره أن يطوّر في تجربته بأداء فنون وأشكال غنائية أخرى أكثر حداثةً.

استطاع سيد الضوي أن ينقل ما يحفظه من سيرة بني هلال وبعض المربعات ذائعة الصيت إلى أحفاده ومريديه، لكن 5 ملايين بيت من الشعر الشعبي كان يحفظها كما يروى عنه، ستضيع لأن المؤسسة الثقافية الرسمية في بلاده اعتادت على الاحتفالات الفارغة من المضامين، حيث أعلنت عن حفل تأبيني له، وإصدار التغريبة الهلالية التي كان ينشد منها في كتاب.

يغيب شيخ القوالين عن فن لم يعد هناك من يمتهنه لاختلاف الذائقة وتغيّرها، لكنه صدى صوته يجوب المحروسة وهو يصدح بأبرز مقطوعات ابن عروس: "ولا بدّ من يوم محتوم، تترد فيه المظالم، أبيض على كل مظلوم، أسوَد على كل ظالم".

المساهمون