ضدّ الثناء المستمر

14 مايو 2018
وسام العابد/ تونس
+ الخط -

من يخوض تجربة الكتابة في مجال الفن التشكيلي العربي يخلص، بعد فترة وجيزة من النشر، إلى نتيجة مفادها أن من يريد الكتابة بجدّية في ما يُنتج في بلادنا من فنون عليه أن يتحمّل أحياناً ردات فعل عنيفةٍ وغير منتظرة. فمسألة انتقاد أعمال أو تجربة فنان ما، والتي هي جزء من مسؤولية الكاتب والناقد، لا تُفهم على أنها بشكل أو بآخر نوع من أنواع الحرص على تطوّره وبالتالي على الارتقاء بجملة الحركة الفنية بل تعني بالنسبة إليه حالة عداء... هكذا هو حال الأمر لدينا للأسف.

وتقول التجربة الشخصية إن أغلب الفنانين، حتى من هم في بداية المشوار، لا يقبلون النقد، لا السرِّي منه ولا العلني، في ما يخصّ إنتاجهم الفني، ونلحظ ذلك من طريقة ردة فعل بعضهم التي تصل أحياناً إلى العدوانية. فهم لا يتريّثون قبل إطلاق حكمهم، ولا يجشّمون أنفسهم عناء التفكير كي يفهموا معنى ما يُكتب ويعرفون صوابية الرأي من عدمها وبالتالي العمل على تجاوز الهنات مستقبلاً، بل يذهبون لمهاجمة الكاتب في عمله أو في شخصه أو في الاثنين معاً.

ولا يخفى على عاقل أن توجيه الأنظار إلى عيوبٍ في شخص الكاتب أو في عمله، لا يقنع القارئ بأن النقد كان غير مُحقٍّ أو أن وجهة نظر الناقد غير صحيحة.

نتساءل في هذه الحالة إن لم نستطع الإشارة إلى مواطن الضعف في الأعمال الفنية، فلماذا نكتب؟ وإن لم يقرأ الفنان ما كُتب عنه كي يقوم بوقفة تأمل ومراجعة لأمرِ ما ينجزه من فن على ضوء ما يُكتب، فلمن نكتب إذن؟

بشكل عام، تأتي حساسية الأمر أو صعوبته من أن أغلب من يَكتب في هذا الحقل هم من الفنانين والكتّاب والصحافيين الذين يعقدون مع الفنانين صداقات وعلاقات زمالة، فتخرج في أغلب الأحيان نصوصهم عبارة عن انطباعات إيجابية، مع استخدام مسرف للصيغ والتعبيرات الشاعرية التي تصف الإنتاج الفني بمجمله دون أن تتناول أبداً الجانب التقني أو الجمالي للعمل. وبالفعل، لقد لاقى أكثر من كاتب العداءَ حين "تجرّأ" على النقد أو أشار إلى مراوحة الفنان في مكانه واستكانته لتكرار فكرة ما لاقت نجاحاً يوماً ويريد استثمارها إلى ما لا نهاية.

وإن تركنا المقابلات التي نقرأُها أو تلك التي نتابعها في وسائل الإعلام المرئية حول مناسبة فنية ما وخرجنا من دائرة الضوء إلى الجلسات الخاصة، نجد أن الرؤية تختلف والحديث يأخذ منحى آخر، فينتقد الفنانون والكتّاب أحياناً أعمال الآخرين، ويأتي انتقادهم في كثير من الأحيان عن دراية وعن خبرة، لكن هذا "الحديث" لا يخرج إلى العلن رغم أن الكثيرين منهم لا تنقصهم موهبة الكتابة.

هل يجب أن تظل هذه الآراء حبيسة تلك الجلسات المغلقة كفعل نميمة؟ وهل الثناء المستمر الأبدي على عمل الفنان هو المطلوب من النقاد، وهل هذا صحّيٌّ؟

بالطبع ليست كل الآراء سديدة ولا كل النقد في مكانه، لكن بالمقابل على الفنان (والناقد أيضاً) أن يتفهّم أن للنقد دوراً ووظيفة، وليس ساحة للعراك المجاني أو تصفية الحسابات.


* فنان تشكيلي سوري مقيم في ألمانيا

المساهمون