يوسف إبراهيم سلّوم.. في تكوين الشخصية المتطرّفة

02 يوليو 2024
يضيء الكتاب على تجربة "داعش" و"جبهة النصرة" التربوية في مدارسهما
+ الخط -
اظهر الملخص
- يغوص كتاب "تكوين الشخصية المتطرفة" في دراسة التطرف بشكل عام والإسلامي بخاصة، مع التركيز على تجارب "داعش" و"جبهة النصرة" التربوية خلال سيطرتهما على مناطق بسوريا والعراق.
- يبحث الكتاب في أسباب ونتائج التطرف، مؤكداً أن السلوك المتطرف ينبع من تطرف فكري، وينتقد إخفاق المؤسسات التربوية في تعليم ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر.
- يستعرض العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية المتطرفة مثل العقائد والأساليب التربوية، ويحلل المحتوى التربوي لداعش، مشيراً إلى أن منظومتها جعلت من إقامة الخلافة حلماً مخيفاً.

عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "تكوين الشخصية المتطرفة: النماذج التربوية نموذجاً" للباحث اللبناني يوسف إبراهيم سلّوم.

يدرس الكتاب ظاهرة التطرّف عامة، والتطرّف الإسلامي خاصة، ويتطرّق إلى تجربة الحركات الإسلامية في التطرف، ويخص بالبحث تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" و"جبهة النصرة"، وبخاصة ما يتعلق بفترة سيطرتهما على مساحات من سورية والعراق، خصوصاً سورية، مسلّطاً الضوء أكثر على تجربتهما التربوية في مدارسهما. 


التطرف: أسبابه ونتيجته

يشير المؤلف إلى أنَّ التطرّف السلوكيّ ليس سوى انعكاس لتطرّف فكري سابق، وهو لا يقتصر على الحالة الدينية فحسب، بل يتعداها إلى السياسية والعلمانية، فلا يختلف مثلاً التطرف اليساري عن تطرف يميني نفّذ تفجيرَ مبنى الحكومة الفيدرالية في أوكلاهوما وارتكب مجزرتَي مخيم المراهقين في النرويج ومسجد النور ومركز لينود الإسلامي بنيوزيلندا، كما لا يختلف التطرف الديني عن العلماني، فلا يختلف رينو كامو صاحب نظرية "الاستبدال العظيم"، وإريك زيمور صاحب كتاب "الانتحار الفرنسي" في تطرفهما عن سيد قطب صاحب كتاب "معالم في الطريق"، وأبي محمد المقدسي صاحب كتاب "ملة إبراهيم"، كما لا يختلف ولعُ تنظيم داعش بنهاية الزمن وعودة المسيح عن ولع الإنجيليّين المتطرفين وجماعات الألفيين المترقبين بشغف تلك العودة، ولا يختلف تبرُّؤه من المخالفين في العقيدة ولو كانوا من ذوي الأرحام عن عقيدة النازيين أو العقيدة الشيوعية بوجوب التجسس على الأهل لاكتشاف ولائهم، وكذلك لا تختلف الدعوة إلى "الهجرة" عند بعض الجماعات الإسلامية عن دعوات "تشي غيفارا" وبعض اليساريين للهجرة إلى البؤر الثورية في العالم.

وبهذا، عرفت كل المجتمعات البشرية ظاهرة التطرف، فهو لا يختصّ بزمن دون آخر، ولا بمجموعة بشرية دون غيرها، وسيظل موجوداً ما دامت الحياة. إلا أن هذا الإقرار لا ينفي عن التطرف صفة المَرَضية، إنه كالحرائق أمرها طبيعي لكن التسليم بطبيعتها لا يقتضي عدم الإقدام على إطفائها، ولمّا كان القضاء على العنف والتطرف كليّاً صعباً عزيزَ المنال، فإن المطلوب الحدُّ منه وتقليص أخطاره ما أمكن.

يشير المؤلف إلى أن التطرف السلوكي ليس سوى انعكاس لتطرف فكري سابق

ويوضحّ أن أخطر منابع التطرف تكمن في إخفاق المؤسسات التربوية في تعليم أجيال المستقبل ثقافة الحوار والاعتراف بالآخر، وضعف علماء الدين المتنوّرين ونشاط الخطابات المتشددة، وتحوّل المدارس والمنابر إلى ميادين لنشر ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر، وهو ما لا نلمحه في مجتمعات انتهجت العلم سبيلاً للتقدم، فتقدمت معيشتها ورغدت في المسكن والملبس والصحة وحماية حقوق الإنسان، فهل سمعنا يوماً بشابٍّ كوري جنوبي مثلاً فجّر نفسه في حافلة بكوريا الشمالية؟ أو شاب مسلم ماليزي فجّر نفسه في مكان مغاير لثقافته ومعتقده؟ إن سرَّ ذلك في التعليم الجيد، الذي رفع مستوى الناس الفكري والحضاري، فهل هي مصادفة أن تكون الدول الأدنى في جودة التعليم هي السابقة إلى العنف والتطرف؟

إن فهم ظاهرة التطرّف وتحليلها هو ما حاول كتاب تكوين الشخصية المتطرّفة أن يقف عليه، بدراسة الحالة التربوية المرتكزة إلى النصوص الدينية والتراثية وفق الرؤية السلفية الجهادية، التي لا تنطبق فقط على المنهجية العقائدية لداعش، بل على تنظيمَي جبهة النصرة و"هيئة تحرير الشام" معاً، اللذين اعتمد داعش على مناهجهما التربوية في سلسلة مدارس دار الوحي الشريف في المناطق الخاضعة لسيطرتهما، ليحيك فلسفته وسياسته.

كما يتناول الكتاب عوامل تكوين الشخصية الإسلامية المتطرفة: العقائد، والأساليب التربوية، والمناهج التعليمية، وتعميمات "داعش" التربوية في مدارسه التي عكست أيديولوجيته ونظرته إلى الفرد والمجتمع والدولة، بحسب الكتاب.

ويحاول الكتاب الإجابة عن تساؤل أساس وتساؤلات متفرعة منه حول تشكُّل البنى المولدة لتطرف التنظيمات الإسلامية، والمؤثرات المساهمة في تكوين الشخصية العربية، وطبيعة الذوات التي تنقاد للمتطرفين، والعلاقة بين التطرف والفقر، وبين البيئة العنيفة والأشخاص العنيفين ومن منهما يصنع الآخر، ودور التربية والتعليم في كل ذلك.

أقوال في تكوين الشخصية المتطرفة

يستعرض المؤلف أقوال علماء الاجتماع في العنف عبر التاريخ، مورداً قول ول ديورانت بأنّ الحروب هي من أعظم ثوابت التاريخ، وأنّ السلام غير مستقر ولا يمكن الحفاظ عليه إلا بتفوق قوة عادلة، وأن التاريخ في عمومه هو صراع لم ولن يتوقف ويشكل أهم عوامل تغيير مسار الحضارات.

وكذا قول الفيلسوف اليوناني هيرقليطس"الشقاق في الحياة أبو الأشياء ومَلِكها"، وإن الأشياء توجد في الحياة مع نقيضها، وفي هذا تكامل للحياة؛ لأن الأشياء لا يَظهر حسنُها إلا بضدها، وهو مبدأ أقره الإسلام بقول الله في القرآن الكريم: ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾ (البقرة: 251).

وبناءً عليه، فإن الاختلاف والتضاد ليسا بالضرورة سلبيَّين، بل قد يكونان واجبَي الفعل، وفي حاجة إلى قوة صلبة تحميهما كمؤسّسات الجيش والأمن، أو ناعمة كقيم المجتمع وواجباته المصونة بالتشريعات لأجل حفظ أمنه وهدوئه وتأمين ثقافة التعدد ونفي التوجه الأحادي فيه، وللخروج عن المألوف باتجاه التغيير بفعل التداخل الثقافي والحضاري لفئات ذات اتجاهات مختلفة، وهو تغيير لا يروق لبعضهم فيتجهون إلى وقفه، إما باستخدام طرق القوة الحادة، وإما بالقوة الناعمة، كتشكيل مجموعات الضغط أو المواجهة الإعلامية أو الاقتصادية أو السياسية أو الدينية، وإما بالانكفاء إيجابيّاً من خلال المشاركة فور توفر الظروف الملائمة، وإما بالانكفاء سلبياً وأخذ موقف المتفرج أو اللجوء إلى الهجرة.

ويعتبر الكتاب أن لكل أمة دينامياتها للتغيير، ففي بعضها يكون عامل التغيير عسكريّاً، وفي أخرى دينيّاً، أو سياسيّاً، أو اقتصاديّاً، أو اجتماعيّاً، أو جغرافيّاً أو نفسيّاً. ويكون التغيير أحياناً مجموعةً من هذه العوامل، فقد فسّر عالم النفس والاجتماع الأميركي أبراهام ماسلو في "نظرية الدافعية الإنسانية" الحاجات الإنسانية، وهي الفيزيولوجية التي تخدم البقاء البيولوجي، مثل الأمان والحب والانتماء والتقدير والمعرفة ووجود نظام اجتماعي عادل... وغيرها، التي يرتدّ أي نقص فيها سلبياً ويترجَم نوعاً من التوتر والضيق، وصولاً إلى العنف، كما في المجتمعات العربية، التي تصدّع فيها سلم الأولويات بوضوح، فالنظام الاجتماعي ضعيف، وحقوق الإنسان غير محترمة أو أنها لا تؤمَّن إلا عبر العلاقة بمصادر سلطوية، ولا يوجد تنمية اجتماعية حقيقية، أو رعاية صحية متقدمة، أو شعور بالأمان نفسيّاً وماديّاً، وكذلك تغيب التربية المتوازنة، والتعليم المتقدم؛ ما سبب اضطراباً اجتماعيّاً نشأت في بيئته أحزاب وجمعيات وجماعات معارضة تركِّز في خطابها على المظلومية وعدم القدرة على تأمين الحاجات الأولية، فربحت رصيد الدولة من التأييد، أما الدينية منها، فطرحت الأولويات معكوسةً؛ إذ بدأت بإقامة الخلافة قبل تأمين حاجات الإنسان.

يتناول الفصل الأول بعض النظريات الكلاسيكية وأهم الأحداث واللحظات التاريخية العربية المعاصرة، وأثر "الموقف" في تكوين البنى اللاواعية المؤثرة في تشكيل الشخصية العربية وانعكاساتها العنفية، بينما يتناول الفصل الثاني مركزية التيارات الجهادية القتالية في الحداثة والتفسيرات العامة التي حللت أسباب التطرف الديني الإسلامي، والمسار التاريخي للسلفية الجهادية ورؤيتها العقائدية وأصولها الخمسة. ويعتبر هذا الفصل مدخلاً أساسيّاً لفهم الأسس التي بُني عليها المنهج التربوي للتنظيمات الإسلامية المتطرفة.

ويشرّح الفصل الثالث نموذج مجتمع تنظيم الدولة الإسلامية، باستنطاق وثيقة المناهج الدراسية واستخراج الفلسفة التربوية منها، وسياسة المنهاج التعليمي واستراتيجيته والغاية منه، والأهداف الخاصة بكل مرحلة تعليمية وكل مادة تدريسية، واستراتيجيات التعليم والتقويم، وتبيان مخرجاتها.

كما يتناول الفصل الرابع تحليل المحتوى الوصفي والمعرفي للمناهج التربوية من خلال تصاميم الكتب الدراسية ومواصفاتها، ومحتوى مواد المقررات الدراسية؛ الشرعية منها واللغوية والعلمية، والمواد الإجرائية.

وفي الخاتمة يستنتج مؤلّف الكتاب أنه بالرغم من اعتبار منظومة داعش التربوية والإعلامية متقدّمة وتضاهي المناهج التربوية الحديثة ومراكز الإعلام العالمية، فإنَّ التنظيم عندما كفّر المسلمين واستحلّ دماءهم جعل إقامة الخلافة حلماً مخيفاً بعد أن كان أملاً منشوداً، كما قضى عمليّاً على شعارات "الصحوة" وحتميات الحل الإسلامي التي نادت بها الجماعات الإسلامية، وحوَّل "الخلافة" رعبا مقيتاً؛ إذ بات يقال للناس بعده: تريدون إقامة الخلافة؟ هذا داعش نموذجاً!
 

المساهمون