أخبار الحمقى والمغفلين [9]

17 نوفمبر 2018
رسم: فؤاد هاشم
+ الخط -

فصل: في ذكر المغفلين من المؤذنين

قيل لمؤذن: ما يُسْمَعُ أذانُك، فلو رفعتَ صوتك.
قال: إني لأَسْمَعُ صوتي من ميل!
قال أحدهم: رأيت مؤذناً يؤذن، ثم عدا.
قلت: إلى أين؟
قال: أحب أن أعرف أين يبلغ صوتي.

ثمة أكلة اسمها "البَلَادَرْ"، مَنْ يأكلها يحسنُ صوته. وقد قيل لمؤذن: ما أحسنَ صوتك! فقال: كانت أمي تطعمني (البَلَادَةَ) وأنا صغير!

كان سعيد بن سنان مؤذناً بجامع حمص، وكان شيخاً صالحاً يسحِّر الناس في رمضان فيقول في تسحيره: استحثوا قُدَيْرَاتكم، وعجلوا في أكلكم قبل أن أُأَذِّنَ فيسخِّمَ اللهُ وجوهكم، وتحردوا.


فصل: في ذكر المغفلين من الأئمة

كان (المدني) في الصف وراء الإمام، فذكر الإمامُ شيئاً فقطع الصلاة، وقَدَّمَ المدنيَّ مكانه ليؤم بالمصلين.

وقف المدنيُّ طويلاً، فلما أعيا الناس سَبَّحوا له، وهو لا يتحرك، فنحُّوه وقَدَّموا غيره. ولما عاتبوه عما فعل قال:
- ظننتُ الإمامَ يقول لي احفظ مكاني حتى أجيء!

ومر رجل بإمام يصلي بقوم، فقرأ: ألف لام ميم. غُلِبَتِ التركُ..
فلما فرغ قال له محمد بن خلف: يا هذا، إنما الآيةُ: غُلِبَت الروم.
فقال: كلهم أعداء، لا نبالي من غُلب منهم!

خرج الأعمشُ ذات يوم من منزله، فمر بمسجد، وقد أقام المؤذنُ الصلاة، فدخل يصلي، فافتتح الإمامُ الركعة الأولى بسورة البقرة، والركعة الثانية بسورة آل عمران، فلما انصرف قال له الأعمش:
- أما تتقي الله؟ أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أمَّ الناس فليخفف، فإن خَلْفَهُ الكبيرَ والضعيفَ وذا الحاجة)؟
فقال الإمام: قال الله عز وجل: (واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين).
فقال الأعمش: أنا رسول الخاشعين إليك بأنك ثقيل!

عن المدائني، قال: قرأ إمامٌ: ولا (الظالّين) بالظاء المعجمة، فرفسه رجل من خلفه، فقال: آه.. (ضَهْري)، فقال له أحد المصلين: يا كذا وكذا، خذ الضاد من (ضهرك)، واجعلها في (الظالّين)، وأنت في عافية.

قال الجاحظ: أخبرني أبو العنبس، قال: كان رجل طويل اللحية أحمق جارنا، وكان أقام بمسجد (المحلة) يعمره ويؤذن فيه ويصلي، وكان يعتمد السور الطوالَ ويصلي بها، فصلى ليلةً بهم العِشاءَ، فطَوَّل، فضجوا منه وقالوا: اعتزلْ مسجدَنا حتى نقيم غيرك، فإنك تطول في صلاتك وخلفَك الضعيفُ وذو الحاجة.
فقال: لن أطول بعد ذلك.
فتركوه، فلما كان من الغد أقام، وتقدم، فكبر وقرأ "الحمدُ"، ثم فكر طويلاً وصاح فيهم:
- أيش تقولون في (عَبَسَ)؟
فلم يكلمه أحد إلا شيخ أطول لحية منه، وأقل عقلاً، فإنه قال: كَيِّسة، هاتها.

وقرأ إمام في صلاته: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه خمسين ليلة (سورة الأعراف 142) والأصل أربعين ليلة وليس خمسين، فجذبه رجل وقال: ما تحسن تقرأ، أفما تحسن تحسب؟!

وتقدم إمامٌ فصلى، فلما قرأ "الحمدُ" افتتح بسورة يوسف، فانصرف القوم وتركوه، فلما أحس بانصرافهم قال: سبحان الله، قل هو الله أحد.. فرجعوا، فصلوا معه!


فصل: في ذكر المغفلين من الأعراب

قدم أعرابي على بعض أقاربه بالبصرة، فدفعوا له ثوباً ليقطع منه قميصاً، فدفع الثوب إلى الخياط، فقاسه، ثم خرق منه. قال الأعرابي: لمَ خرقت ثوبي؟
قال الخياط: يا أخي، إنه لا يجوز خياطتُه إلا بتخريقه.
وكان مع الأعرابي هراوة فشج بها رأس الخياط، فرمى بالثوب وهرب، فتبعه الأعرابي وأنشد يقول:
ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثلِهِ
فيما مضى من سالف الأحقابِ
مِنْ فعلِ علجٍ جئتُه ليخيطَ لي
ثوباً فَخَرَّقَهُ كفعل مصابِ
فعلوته بهراوة كانت معي
فسعى وأدبرَ هارباً للبابِ
أيشق ثوبي ثم يقعد آمناً؟
كَلَّا ومُنْزِلِ سورةِ الأحزابِ

وعن الأصمعي أنه قال: مررت بأعرابي يصلي بالناس، فصليت معه، فقرأ: (والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، كلمة بلغت منتهاها، لن يدخل النار ولن يراها، رجلٌ نهى النفس عن هواها).
فقلت له: ليس هذا من كتاب الله.
فقال: فعلمني الفاتحة والإخلاص.
ثم مررتُ بعد أيام فإذا هو يقرأ الفاتحة وحدها. فقلت له: ما للسورة الأخرى؟
قال: وهبتها لابن عم لي، والكريم لا يرجع في هبته.

وعنه أنه قال: كنت في البادية، وإذا بأعرابي تقدم فقال: الله أكبر، سبحْ اسمَ ربك الأعلى، الذي أخرج المرعى، أخرج منها تيساً أحوى، ينزو على المعزى. ثم قام في الركعة الثانية وقال: وثب الذئب على الشاة الوسطى، وسوف يأخذها تارة أخرى، أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى، ألا بلى، ألا بلى.

فلما فرغ بدأ الدعاء فقال: اللهم لك عفرتُ جبيني، وإليك مددت يميني، فانظر ما تعطيني.

وعنه أنه قال: حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس.

قعد طائي وطائية في الشمس، فقالت له امرأته:
- والله لئن يرحل أهل الحي غداً لأتبعنَّ قماشهم وأصوافهم، ثم لأنفشنَّه وأغسلنَّه، ولأغزلنَّهُ، ثم لأبعثنَّهُ إلى بعض الأمصار فيباع، وأشتري بثمنه جملاً بكراً فأرتحل عليه مع أهل الحي إذا ارتحلوا.
قال الزوج: أفتراكِ الآن تاركتني وابني بالعراء؟
قالت: أي والله.
قال: كلا والله.
وما زال الكلام بينهما حتى قام يضربها، فأقبلت أمها فقالت (ما شأنكم؟) وصرخت: يا ابن فلانة أفتضرب ابنتي على كد يمينها ورزق رزقها الله به؟
فاجتمع أهل الحي فقالوا: ما شأنكم.
فأخبروهم بالخبر. فقال: ويلكم، القوم لم يرحلوا، وقد تعجلتم الخصومة.

وعن الأصمعي، قال: خرج قوم من قريش إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار، فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سَلِمُوا، فأعتق كل منهم مملوكاً. فقال ذلك الأعرابي:
- اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً.

كان رجل من الأعراب يعمل في معمل للذهب فلم يُصِبْ شيئاً، فأنشأ يقول:
يا رب قدر لي في حماسي
وفي طِلابِ الرزق بالتماسِ
(صفراء) تجلو كل النعاسِ
فضربته عقربٌ (صفراء) سهرته طول الليلة وجعل يقول:
- يا رب الذنب لي إذ لم أبين لك ما أريده، اللهم الحمد لك والشكر لك.
فقيل له: ما تصنع؟ أما سمعت قول الله تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم)؟
فوثب جزعاً وقال: لا شكراً.. لا شكراً.

وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يصلي في الشتاء قاعداً وهو ينشد:
إليك اعتذاري من صلاتي قاعداً
على غير طهرٍ مومياً نحو قبلتي
فمالي ببرد الماء يا رب طاقة
ورجلاي لا تقوى على طي ركبتي
ولكنني أقضيه يا ربُّ جاهداً
وأقضيكهُ إن عشتُ في وجه صيفتي
وإن أنا لم أفعل فأنت محكمٌ
إلهيَ في صفعي وفي نتف لحيتي!

عضَّ ثعلبٌ أعرابياً، فأتى راقياً. فقال الراقي: ما عضك؟
فقال: كلب. (استحى أن يقول: ثعلب). فلما ابتدأ الراقي بالرقية قال الأعرابي:
- اخلط بها شيئاً من رقية الثعالب!
وقرأ إمام في صلاته (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه)، فأُرْتِجَ عليه، وكان خلفه إعرابي فقال:
- لم يذهب نوح، فأرسل لنا غيره وأرحنا!

وكان إعرابي يقول: اللهم اغفر لي وحدي. فقيل له:
- لو عممتَ بدعائك فإن الله واسع المغفرة.
فقال: أكره أن أثقل على ربي!
ودعا أعرابي بمكة لأمه، فقيل له: ما بال أبيك؟
قال: ذاك رجل، لا يحتاجني، يحتال لنفسه!

دلالات
المساهمون