كميليا جبران.. أرض وتجارب أخرى

02 مايو 2018
(من الندوة)
+ الخط -

لا تأتي كميليا جبران (1963) إلى القاهرة لتحيي فقط حفلات غنائية وتمضي، إذ تتخلّل زياراتها التي تتكرّر إلى العاصمة المصرية إقامة ورشات فنية بهدف التواصل مع الفنانين الشباب. أحياناً، تأتي جبران دون أن تُحيي حفلاً من الأساس وتبقى زيارتها ضمن نطاق محدود من الفاعلين الموسيقيين، سواء الملحنين أو المغنّين وتعود مرة أخرى إلى دوائرها وقد اتسعت. آخر ورشات الفنانة الفلسطينية في القاهرة كانت عام 2016 في "استديو كاميرا وميكروفون".

مؤخراً، تجدّدت زيارة صاحبة أغنية "عيش يا كديش" إلى القاهرة ضمن فعاليات "أيام القاهرة للموسيقى المعاصرة"، وتحت عنوان "كلام في الموسيقى" كان اللقاء معها في "غاليري آرت" في الزمالك.

ورغم أن الندوة كانت من المفترض أن تكون حديثاً مسترسلاً حول الظروف الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في تشكيل تجربتها الفنية، إلا أن جبران أقامت حفلاً بطريقة خاصة برفقة عودها، إذ تحدثت عن تجربتها بطريقة أشبه بفقرات تفصلها مقطوعات غنائية. ربما رأت جبران أن الاسترسال سيُسقطها في التكرار وأن التعبير الأصدق عن التجربة لا يكون إلا بالغناء، والذي سيجد دوماً جمهوراً متحمّساً حتى لو ردّدت أغانيها لأكثر من مرة.

مرّت جبران على المحطات المعروفة في تجربتها بداية من الأب إلياس جبران، صانع الآلات الموسيقية ومدرّس الموسيقى، ثم فرقة "صابرين" وهي مرحلة التشكل الأساسية بحسبها، فالعمل مع فرقة تحترف الفن الملتزم -إن صح التعبير- جعل الفنانة الشابة تثقل موهبتها وأرشيفها الغنائي بشكل كبير لتغني طيلة فترة الثمانينيات ومنتصف التسعينيات من كلمات شعراء مثل عبد اللطيف عقل ومحمود درويش وحسين برغوثي وسيد حجاب، وبالإضافة إلى ذلك باتت تعدّ من بين الأصوات الحماسية الرئيسية أثناء الانتفاضة الفلسطينية التي اشتعلت عام 1987.

الانتفاضة كانت إذن مؤشر وصول، لكن رغم ذلك لم ترد الفنانة الفلسطينية الوقوع في فخ النجومية والجماهيرية التي بدأت تتأكد وتتراكم، لذلك عملت على الوقوف على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل تشكل التجربة الغنائية، تقول: "بعد الانتفاضة الأولى في التسعينيات، أصبح سؤال ماهية الأغنية ولماذا نغني وما هي طرائق التعبير وكيف تكون صورها؛ من الأسئلة التي شغلتني ولا تزال، وجعلتني منذ ذلك الوقت أقرّر الذهاب إلى أرض وتجارب أخرى".

كانت صاحبة "حب على الطريقة الفلسطينية" مستعدة أن تمضي مع هذه الاسئلة للنهاية، ولولا ذلك لانحصرت تجربتها في نطاق الأغنية الوطنية التي رغم أهميتها وخصوصيتها إلا أن الأصوات الفردية والتجارب الذاتية تذوب فيها بسهولة، فيختفي المغني الواحد في الحالة الجماعية.

تشير جبران هنا أنها جاءت من أرضية غنائية تراثية وكلاسيكية، ولكنها تستدرك قائلة: "كنتُ منفتحة بشكل كبير على التجريب رغم صعوبته، بالإضافة لذلك لا يمكنني رغم كل هذه التساؤلات أن أقول بهدم القديم بقوانينه وقوالبه الكلاسيكية مثلما يفعل البعض، لكن أن أقول باحترامه مع المضي قُدماً في التفكيك والتجريب والبحث عن الصوت الخاص والتجربة الفردية".

تحالفت الظروف في خدمة هذا التطلع، حيث تعتبر جبران تجربة الإقامة الفنية في العاصمة السويسرية بيرن، في بداية الألفية الجديدة، ثم الإقامة الدائمة في أوروبا، بمثابة طريق يُرسم لها من أجل إقامة خصوصية لتجربتها الغنائية. تقول: "في سويسرا، تعرفت على فيرنز هيسلر، وكان أول تعاون لدمج تجربتي بتجربة هيسلر المعتمدة بشكل رئيس على الموسيقى الإلكترونية".

وإلى جانب التجريب في اللحن، قرّرت جبران ألا تكون جميع القصائد التي تغنيها منظومة أي أن تتجاوز الاعتماد على الأشعار القائمة على العَروض، توضح: "قرّرت أن أبحث عن ما هو أبعد من مجرّد النظم كأن اقرأ قصيدة غير منظومة مترجمة في جريدة كقصيدة "نحن أهل الشاطئ الآخر" وأقرّر غناءها أو أقرأ سيناريو يصلح للغناء أو أغني كلمات لشاعر سيناوي غير معروف أو أن أجعل كلمة واحدة نوتة موسيقية مكتملة، كل ذلك كان مطروحاً ونفّذته بدون تردّد".

لم يكن الجمهور عائقاً أمام تجربة جبران رغم اعترافها أنها قابلت تساؤلات عن تجربتها من الجمهور، مثل، لأي جمهور تتوجّه بأغنيتها؛ وهل إن الأولوية للجمهور العربي أم الغربي؟ ولماذا يبدو نمط غنائها غريباً؟

تجيب عن هذه الأسئلة قائلة: "تركتُ تجربتي تأخذ مسارها دون تدخل أو تبريرات، فالجمهور نفسه يتطوّر ويصبح شيئاً فشيئاً منفتحاً على الثقافات مثلما تحاول أغنيتي أن تكون".

ترى كميليا جبران أن "العصر الذي تتتالى فيه الحروب بشكل كبير - كالذي نعيشه اليوم - لا ينبغي أن يكون موسيقياً عصر كلاسيكيات ولا عصر أغانٍ رومانسية، بل هو عصر لا بد أن تلاحق فيه الأغنية نفسها بالسؤال: كيف لا تتأثر الموسيقى بالحروب والنزاعات؟".

المساهمون