بعد إلقاء نظرةٍ سريعة على البرنامج الثقافي المصاحب للدورة الرابعة والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، التي انطلقت فعالياتها في الجزائر العاصمة الأربعاء الماضي وتُختَتم في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تقفز عدّة ملاحظات أساسية؛ من بينها تراجُع عدد الندوات واللقاءات الأدبية والفكرية مقارنةً بالدورات الماضية، والحضورُ اللافت للكتّاب الجزائريّين الشباب، في مقابل غياب واضح للكتّاب العرب.
هذا الخيار برّرته إدارة المعرض، في وقتٍ سابق، بالاهتمام أكثر بالكتّاب الشباب، خصوصاً الذين حازوا جوائز أدبيةً في السنوات الأخيرة. لكن حديث مديره، محمد إيقارب، عن تراجع الميزانية المخصّصة لما يوصَف بأكبر حدثٍ ثقافي في الجزائر، يُعطي انطباعاً بأنَّ إشراك الكاتب المحلّي الشاب لم يكن بدافع "الاهتمام" به، بقدر ما كان حلّاً لمشكلة تعذُّر استضافة كتّابٍ كثيرين من خارج البلاد.
يُمكننا أن نلاحظ أيضاً أنَّ برنامج المعرض، الذي يأتي هذا العام في ظرفٍ سياسي استثنائي، تجاهَل تماماً الحراك الشعبي الذي يدخل أسبوعه الثامن والثلاثين؛ إذ لم يُخصّص - على عكس المتوقَّع - ندواتٍ لمناقشته من زوايا سياسية واقتصادية وأدبية وفكرية واجتماعية، وهو ما يُمكن إدراجه ضمن سياسة التعتيم المفروضة على الحراك منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في نيسان/ أبريل الماضي؛ تعتيمٌ نجد أثره الأبرز في تجنُّب وسائل الإعلام الرسمية والخاصّة تغطية المظاهرات التي تشهدها العديد من المدن الجزائرية للمطالبة برحيل من يسمّيهم الشارع رموز "النظام السابق"، ومنها مظاهرة أوّل أمس الجمعة التي عرفت زخماً غير مسبوق.
في مقابل هذا التجاهل للحاضر الجزائري، فضّل القائمون على التظاهرة العودة إلى الماضي. وكان تزامُن الدورة الجديدة مع الذكرى الخامسة والستّين لاندلاع الثورة التحريرية فرصةً لتخصيص ندواتٍ تاريخية لهذا الموضوع؛ من بينها ندوةٌ تُقام اليوم الأحد وتستضيف الكاتبةَ الجزائرية الأميركية إيلين مختفي التي صدرت الترجمة الفرنسية لكتابها "الجزائر عاصمة الثورة" هذا العام، بينما ناقشت ندوةٌ أُقيمت أول أمس، بعنوان "1919: الجزائر أمام تحدّيات القرن وحريتها"، التغيّرات الاجتماعية التي شهدتها الجزائر بعد الحرب العالمية الأولى، وشارك فيها كلّ من المؤرّخين الجزائريّين مليكة رحّال وعبد المجيد مرداسي وفؤاد سوفي والفرنسي أوليفييه لوكور غراندميزون.
وهذا النزوع إلى الماضي سنجده، أيضاً، في محاضرةٍ أُقيمت أمس السبت، وعادت إلى ما قبل التاريخ، لتُضيء موقع عين بوشريط الأثري في محافظة سطيف شرقَي الجزائر، والذي اكتُشفت مطلع العام الماضي وعدّه آثاريون مكاناً لثاني أقدم وجود بشري في العالم.
وإن كان البرنامج الثقافي، الذي يُمكن اعتبارُه الشقَّ الرسمي للمعرض، قد تجاهل تماماً الحراك الشعبي، فالأمر يبدو مختلفاً تماماً في أجنحته التي ازدحمت هذا العام بعناوين كثيرةٍ تناولت الموضوع؛ من بينها: "من قلب الحراك" للتهامي مجوري، الذي صدر عن "منشورات جيغا بوكس"، و"الكتابة على أطراف النهر: السيرة الكتابية للحراك" للونيس بن علي عن "دار ميم"، و"رماد يذروه السكون: تأمّلات في الحراك الجزائري" لعبد الرزاق بوكبة عن "دار ضمّة"، و"من الصعلكة السياسية إلى الحراك الشعبي" لمحمد بوعزارة عن "دار الكتاب العربي".
وعن "دار خيال"، صدرت مجموعةٌ من الإصدارات حول الموضوع نفسه؛ من بينها: "الحراك، أسئلة ومآلات" لنوّارة لحرش، و"الدرجة الصفر للدولة: من العسكرة إلى الكرنفال" لواسيني الأعرج، و"يوميات الحراك: نحو تحرير الجزائر من النظام الدكتاتوري" لعمر أزراج، و"أحبُّ وطني رغم أنفكم: يوميات صحفي وسط الحراك" لبوعلام رمضاني، و"في ظلال الحراك الشعبي" لمحمد أرزقي فرّاد.
وأمام كثرة العناوين التي تناولت الحراك الشعبي، لا بدّ من التساؤل: هل تتضمّن هذه الكتب مقارباتٍ عميقة لما حدث ويحدث، أم أنّها مجرّد موضة وركوبٍ للموجة؟