يداك الصامتتان بألم النسيان

12 ابريل 2020
(كورينا أوبري)
+ الخط -

بعث

ماتت ليلاً.
بكيتُها ثلاثة أيام
ثم جلستُ بصبرٍ مديد إلى جانبها
منتظرة أن تُبعث.

لقد شرحوا لي
أن واحداً منّا
كان قديساً،
بعُث
في اليوم الثالث
وصعد إلى السماء.

هي أيضاً كانت قديسةً، فكّرتُ
وبينما كنت أنتظر
كان قلبي ينقبض
لاحتمال
أن تصعد إلى السماء
هي أيضاً
بدل البقاء.


■■■


إدمان

ثمّة إدمانٌ على كلّ الأشياء
التي اخترعت حتى الآن،
قالوا لي.

ثمّة مدمنون على أنفسهم،
مدمنون على قاع البحر أو على قمّة الجبال،
مدمنون على البعد القريب للجنس،
مدمنون على تركيبة العقل،
مدمنون على الشوكولاتة أو الشاي الأسود أو القهوة،
مدمنون على ضوء القمر،
مدمنون على حجارة الصابون،
مدمنون على الجمل غير المكتملة،
مدمنون على المرض.

لفترة من الزمن، أدرجني الخبراء
ضمن هذه الفئة الأخيرة.

ومؤخراً اكتشفوا
أن إدماني هو على الموت.

وبالإضافة، حسبما يبدو،
الموت هو من اخترعني.

مذ عرفتُ بذلك
أُفاجأ كل يوم بشوقي لرفقته
وأحاول ألا أموت
لأواصل السُّكْر
يوماً بعد آخر.


■■■


روتين الموت

منذ الصباح الباكر
يمشي الموت مُمسكاً بيدي.

في بعض الأحيان يجرؤ
ويمسكني من الخصر،
يُسكرني بعدم وجوده الزائف،
يُعتّمني بشكل خارق وواهن.
يسيطر عليّ.

أُطيعه
وأواصل المشي.

أنسى حضوره
في منتصف النهار،
لكنّه يعدّ وجبة غذاءٍ معتبرة
ويتغذى من روحي.

ساعة الغروب،
يتظاهر بالشفقة
ويجلب لي أرواحاً عزيزة.

يقرضني إياها في الأحلام،
متجاهلاً أنني بنيت
متحفي العاطفي الخاص
المصنوع من الكلمات والإيماءات والنظرات،
سرّه الحارس هي الذكريات.

وهناك، الموت لا يعرف الدخول بعد.


■■■


مصادفات

أمس
وصلتُ إلى بيتك
ووجدت الموت
ممسكاً بوجهك.

أتقنتُ التظاهر بالمفاجأة بشكل مثالي
وتمكّنت من أن يمرّ لقاؤنا بسلامٍ،
كالعادة.

يجب أن أعترف،
لم تكن المرة الأولى.
ومن هنا جاء تظاهري المحترف.
لقد تلاقينا
في مناسبات عدة،
في مسارح مختلفة.

أتذكّر أول مرةٍ.
كان جاثماً فوق جسم شخصٍ لا أعرفه.
اختبأت على عجلٍ
داخل قلب أو دماغ
طائرٍ يحلّق
والعجيب، حين خرجتُ،
كلّ شيء سار كما لو أن شيئاً لم يحدث.

أتذكّر أيضاً المرة الثانية.
كان قد صعد القطار نفسه
الذي كنت أصعد إليه من رصيف أحلامي
وكان يلاحق كل شخصٍ يتعرّف عليه.
تظاهرت كما لو أنني لم أره من قبل
ونجحت تلك المرة أيضاً.

اليوم
بلا حراك،
أنتظر أمام المرآة،
ولكن لا أجرؤ على النظر إلى نفسي.


■■■


خداع

موتك
يمتزج
كل يوم
مع براءة
ابتسامة
الأطفال.
إنه جرحٌ
مفتوحٌ
يلتئم
في نعومة
بشرتهم،
ألم مكتومٌ
ومخنوقٌ
وصامتٌ
تحت أسئلتهم
الضرورية.

موتك،
الموت
يمتزج
مع الحياة
مثل ثعبان
بلا وجهة.


■■■


عن الموت

كل موت
هو موتك.
تتحرّك في الفضاء
الذي تركه.
تضحك ضحكاته.
ترسم إيماءاته.
تمشي طرقه.

كل موت
هو موتكم.
أنتم ظلاله
المتطابقة.
تتملكّون طريقه
أمام أعينه.
تستمتعون بمتعه.
تبكون دموعه.
تصمتون صمته.

اليوم علينا أن نعرف
أن كلّ موت
هو موتكم
كلّ موت
هو موتك.


■■■


رماد

على وجهكِ
الموت يبدو لي قريباً.
أغطّي جسمكِ العاري
بحجاب ذكرياتي
وأستلقي إلى جانبك.
عناقٌ متأخرٌ
مثل عناق ذلك الصيف
حين كنت أذهب كل مساءٍ لأتأمل
رؤوس عبّاد الشمس وهي راكعة
تحت ثقل غيابك.
أتذكّر أنني كنت أُمسك وجوهها،
واحدةً واحدة بين يدي
وأحكي لها عن طفولتي
الناقصة.

على وجهكِ
الموت يبدو لي قريباً.
أُقبّل يديْك الصامتتيْن
بألم النسيان
وأحلم إلى جانبك.
حلمٌ كثيفٌ وبعيدٌ
مثل تلك الأحلام التي كانت تُصيّرني طفلةً من جديد
وحيث عبر طرقٍ أجهلها
أعدت أوقاتي
إلى غاية دفء جوفك.
أتذكّر أنني ذات مرة تمكّنت
من الوصول إلى روحك
وتحدثت معها عن كيف ستكون
بقية حياتي.

على وجهكِ
الموت يبدو لي قريباً
رغم أن العناق يتلاشى مني
مثل دمى الثوب
والأحلام تبعثر رمادك
على وجهي المبلل.


■■■


الآب أنثى

في أحلامي
للآب وجه أنثى.
يجمعنا جميعاً
في فضاءات مفتوحة كبيرة
ليلفّنا بحجاب زائلٍ
لا ينتهي أبداً
ونعجب
حين نرى كيف تظهر لنا أجنحة على الفور.

في أحلامي
للآب وجه أنثى.
بأجنحة نرتقي
ونقف بجانبه مثنى مثنى،
امرأة ورجل ورجل ورجل وامرأة وامرأة
والآب ينظر إلى أعيننا ليعرف
إن كانت أرواحنا تكبر
ليفسح لها المجال، بينما نحن
ننتهز الفرصة لنراجع
مفهوم الثالوث الأقدس.

في أحلامي
الآب أنثى.
داخل وخارج أرواحنا
- حاضر في كل مكان، قادر على كل شيء،
ولكن حين أستيقظ
لا أتذكّر إن كانت
بعد كل ما عرفت
- التجسّد والموت والبعث -
تنوي بدورها أن تخلّصنا.


* Corina Oproae شاعرة رومانية وُلدت في ترانسيلفانيا (رومانيا) عام 1973، وتعيش في كتالونيا منذ عام 1998. تكتب بالإسبانية وتترجم من الرومانية والإنكليزية إلى الكتالانية والإسبانية. نشرت أول دواوينها الشعرية "ألف موت وموت" عام 2016 ونشرت ثاني دواوينها "تقاطعات" سنة 2018.

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

المساهمون