ما لقيصر

12 يونيو 2020
من قرية "الباغوز فوقاني" السورية، مارس/آذار 2019 (Getty)
+ الخط -

يتقدّم القانون الأميركي الذي أطلقوا عليه اسم " قيصر" نحو البلاد بخُطىً حثيثة في الزمن، يبدو مثل تسونامي ساحق مدمّر يأخذ في طريقه كلّ شيء. لم يُطبَّق القانون بعد، ولكنَّ موعد تطبيقه على سورية بات قريباً جدّاً. ويتباهى الأميركيون، ومن أعانهم علينا به من السوريّين، في الفرجة على ما يؤول إليه حال السوري الذي يعيش في الداخل، قبل أن يبدأ قانونهم بالتطبيق الفعلي على الأرض.

غير أنَّ القانون بات ذريعة لقول أي شيء، أو لفعل أي شيء في الداخل أيضاً. وكلّما حاولت أن تسأل، أو تستفسر، سيُقال لك قانون قيصر، وهو اليوم القانون الأكثر شهرة، لا في التفاصيل، فهي تلك التي لا يعرفها إلّا القليل المعدود من الناس، بل في الاسم، قيصر بالطبع هو الأكثر شهرة، وليس سيزر، أمّا في الأفعال فالأمر هو الذي يهدّد حياة الناس. لا تنفع الكتابة عن الجوع أحداً اليوم، فالكتابة عن الجوع لا تُقرأ إلّا في زمن الشبع. ويمكن أن يسأل جورج آمادو نفسه: من قرأ روايتك "دروب الجوع"؟ هل هم أولئك الذين أكلهم الجوع كما قال جيرونيمو في نهاية الرواية عن عائلته؟ هل هو جيرونيمو نفسه؟ وسيقول له: "لا".

يمكن للكاتب أن يستغرب من أن الناس لم يستمعوا بعد لنداء أبي ذرّ الغفاري عن الجائع الذي يخرج حاملاً سيفه، وها هي الكارثة تحدق بالجميع. به وبأهله وأصدقائه وأبناء وطنه. فالجوع (الجوع الحقيقي الخالي من أي مجاز روائي أو شعري) يهدّد الناس. ولا يعرف الناس ماذا يفعلون. وهم يجرون حائرين في السؤال عمّا يمكن أن يسرعوا في شرائه قبل أن ينفد أو قبل أن يرتفع سعره. ترتفع الأسعار هنا كل ساعة تقريباً، يصرخون لكن الصراخ لا ينفعهم. يصمتون وهم يتتبّعون أسعار السوق، فيأتي من يشتمهم ويشتم صمتهم. ينسى هؤلاء أنَّ المطالب من أجل العيش الكريم لم تتوقّف البتّة، وأنَّ من يطلب الحرية وينالها قد يخرج متظاهراً في اليوم التالي من أجل الخبز.

يبدو الأمر مفارقاً، كأنّ قيصر قد فتح الباب على مصراعيه، للتحرّر من الضوابط الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية. وكأن السوري الموجود في أي ريف ناءٍ بعيدٍ معزولٍ مسؤولٌ عن صياغة هذا القانون. يدير الجميع ظهورهم للجميع، وكلُّ واحد يضع المسؤولية على عاتق الآخر، يغلق كثير من التجّار أبواب محالّهم، ويراقبون أسعار الدولار من ثقب المفتاح. ولم يعد بوسعك أن تعرف التاجر من الفاجر.

يربط الجميع سعر كلّ شيء بقيصر وبقانون قيصر: زجاجة ماء، علبة حليب، محارم ورقية، شاي، قهوة، خيار، بندورة باذنجان، بقدونس، بيض، حتى لو كان البيض آتياً من طرف دجاجاتنا: إنه قانون قيصر. بينما يقول أولئك الذين صاغوه من وراء البحار إنه عدالة قيصر. غير أنَّ قيصر لم يكن عادلاً في أي يوم، وإذا كان يريد أن يأخذ ما له، أي ما لقيصر، فليس السوري هو الذي أخذ حصّته، ولا يمكن لهذا المقهور المنكوب أن يعُطي ما لقيصر لقيصر.


* روائي من سورية

المساهمون