أفارقة في الجزائر... مهاجرون يعيشون شبه حياة ونصف حلم

07 فبراير 2017
في الجزائر العاصمة، أمل بفرصة جديدة (فاروق باتيش/فرانس برس)
+ الخط -

يتدفّق المهاجرون الأفارقة على الجزائر بواسطة شبكات منظّمة، تؤمّن طريقاً لهؤلاء الفارين من الفقر والنزاعات، والآملين في الحصول على فرصة في هذه البلاد، أو الانطلاق منها نحو أوروبا.

لا تخلو الأخبار في الجزائر من بيانات صادرة عن قيادة الجيش تفيد بتوقيف عشرات المهاجرين الأفارقة عند الحدود مع النيجر ومالي أو في مدن الجنوب والصحراء. وفي حصيلة أعلنت عنها أخيراً، أُوقِف في الفترة الممتدة بين 20 و25 يناير الماضي، 96 مهاجراً غير شرعي من دول الساحل الأفريقي.

لا يُمكن للمارّ في شوارع العاصمة الجزائرية والمدن الأخرى وبالقرب من المساجد، إلا ملاحظة عائلات أفريقية على قارعة الطريق تتسوّل الصدقات من المحسنين. كذلك تلاحَظ في ضواحي المدن مجموعات من المهاجرين الأفارقة الذين يقيمون في عمارات قيد الإنشاء أو مخيّمات عشوائية. وتدفع هذه المشاهد إلى التساؤل عن كيفية وصول هؤلاء المهاجرين من عمق الساحل الأفريقي وقطع آلاف الكيلومترات من الصحراء لبلوغ مدن شمال الجزائر، متجاوزين كلّ الحدود والعقبات والمخاوف ومصاعب الطريق الصحراوي.

تحقيق ميداني

قبل أكثر من ستة أشهر، نجح المحقّق الصحافي الجزائري عبد اللطيف صالحي في بلوغ قلب شبكات تعمل لتهريب المهاجرين الأفارقة إلى الجزائر. فتابع عن قرب مسار تسلل هؤلاء المهاجرين وعبورهم الحدود الجزائرية المالية. يقول صالحي إنّ شبكات تهرّب المهاجرين الأفارقة من 16 دولة أفريقية إلى الجزائر، تجمع هؤلاء في منطقة أغاديس النيجيرية ومنطقة غاو المالية قبل الانتقال إلى نقاط قريبة من الحدود الجزائرية. هناك، يتوقفون مجدداً في القرى المالية الحدودية، في انتظار فرصة للتسلل إلى الجزائر. وتعمل هذه الشبكات بالتنسيق مع مهرّبين متخصصين ومتعاونين في الجانب الآخر من الحدود الجزائرية، فيؤمّنون معابر التسلل ويرصدون تحرّكات قوات الجيش وحرس الحدود الجزائرية. ويشير صالحي إلى أنّ مدينة تين زواتين في ولاية تمنراست جنوبي الجزائر، هي أولى محطات المهاجرين الأفارقة. وقبل أن ينتقل هؤلاء من مدن الجنوب إلى مدن الشمال، تُلزم شبكات التهريب المهاجرين بدفع مبالغ كبيرة.

لا يظنّ صالحي أنّ الهدف الرئيس لمعظم المهاجرين الوافدين من الساحل الأفريقي هو البقاء في الجزائر، ويؤكّد أنّ 90 في المائة منهم ينوون العبور إلى أوروبا. وخلال فترة مكوثهم في البلاد، يجد هؤلاء في ورش البناء الخاصة والمزارع فضاءات للعمل من أجل جمع المال اللازم لتأمين ما تطلبه شبكات الهجرة السرية لتأمين سفرهم عبر البحر إلى أوروبا. ويلفت إلى أنّ عدداً قليلاً منهم فقط يتمكّن من العبور سريعاً عبر قوارب الهجرة السرية، فيما يبقى الآلاف في المدن الجزائرية، يعيشون نصف حياة وينتظرون تحقيق نصف حلمهم بالعبور إلى أوروبا، وذلك وسط مشاكل اجتماعية وظروف معيشية صعبة وملاحقات من قبل الشرطة.




هذه حكاية ديابوري

في منتصف ديسمبر/كانون الأول المنصرم، كان قد مضى على انطلاق موسى ديابوري من قريته الصغيرة واسو في غامبيا على مقربة من الحدود مع السنغال، شهران من الزمن. وصل إلى موريتانيا بداية، لكنّ الظروف المعيشية لم تناسبه. عمل لفترة قصيرة على قوارب الصيد في ميناء نواكشوط، وبعد 18 يوماً قرّر التوجّه إلى مالي. في غاو، راح ديابوري يبحث عن طريقة لبلوغ الجزائر. وجدها مع مهرّبي مهاجرين، فدفع لهم 700 يورو لتمكينه من الوصول إلى مدينة برج باجي مختار الجزائرية القريبة من الحدود مع مالي. لم يكن الحظ حليفه، فقد تزامن وصوله إلى المدينة مع حالة من التوتّر نتيجة أحداث عنف بسبب خلافات إثنية بين السكان المحليين من العرب والطوارق. أخّر ذلك خروج ديابوري، قبل أن يصل إلى مدينة تمنراست عاصمة الصحراء الجزائرية، حيث بقي لمدّة أسبوع قبل أن ينطلق مع ثلاثة مهاجرين ماليّين إلى مدن الشمال، وتحديداً إلى مدينة قسنطينة.

وديابوري، كما آلاف المهاجرين الأفارقة الذين يقطعون الصحراء إلى الجزائر هرباً من الحروب والفقر، كان يحاول أن يجد لنفسه بداية جديدة، إلا أنّه اصطدم بواقع معيشي صعب. يُذكر أنّ الحكومة الجزائرية ضاقت ذرعاً من انتشار الأفارقة المتسوّلين على الأرصفة والطرقات، ومن انتشار مخيّمات هؤلاء العشوائية عند أطراف المدن الجزائرية، فيما تصاعد القلق في البلاد نتيجة صدامات وقعت بين هؤلاء المهاجرين والسكان المحليين في مدن الجزائر العاصمة وبشار وتمنراست. وقد دفعها ذلك إلى اتخاذ قرار بتجميع هؤلاء وترحيلهم إلى بلدانهم.

مزارع وورش بناء

دفع تشدّد السلطات الجزائرية مع المهاجرين الأفارقة في الفترة الأخيرة عدداً كبيراً منهم إلى الخروج من المدن الكبرى والبحث عن عمل في أماكن مغلقة بعيداً عن أعين الشرطة. من جهته، نجح ديابوري في الحصول على عمل وأقام في مزرعة واقعة في منطقة قريبة من مدينة قسنطينة. يقول: "أنا هنا اليوم حتى إشعار آخر. الحمد لله أعمل لدى مزارع جزائري يعاملني بطريقة جيّدة، خصوصاً أنّني مسلم وأصلّي. وقد سمح لي بأن أقيم في المزرعة مع ثلاثة عمّال آخرين، فيما أتقاضى بعض المال الذي أدّخره من أجل المستقبل". يضيف: "أعرف أنّني أقيم بطريقة غير شرعية، لكنّني لم آتِ إلى هنا إلا بسبب الظروف القاسية في بلدي غامبيا. أعرف عن الجزائر أنّها بلد كبير ومضياف، لكنّني أصبحت أكثر قلقاً في الفترة الأخيرة، على خلفيّة ما أسمعه من أخبار عن شجارات بين السكان والمهاجرين الأفارقة في بعض المدن، وعن قرار ترحيل الأفارقة".

يضطر هؤلاء المهاجرون إلى العمل في ورش بناء ومزارع وسط ظروف صعبة، لتأمين قوتهم اليومي. ويشتكي بعضهم من الأجور المتدنية التي تقلّ كثيراً بالمقارنة مع ما يتقاضاه العمّال الجزائريون، إذ يستغل مقاولون كثر ظروف إقامة المهاجرين غير القانونية. في السياق، تقدّر دراسة أعدّتها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حجم العمالة الأفريقية غير الشرعية في الجزائر بما يقارب تسعة آلاف يد عاملة، مشددة على أنّ ثمّة استغلالاً من قبل أرباب عمل ومقاولين وأصحاب مزارع كبرى واستثمارات فلاحية، للنازحين الأفارقة غير الشرعيين في مشاريعهم بعيداً عن القوانين المعمول بها. فلا تصرّح عنهم لدى الضمان الاجتماعي ولا وزارة العمل. وتشرح الدراسة أنّ ذلك يأتي بعدما أضحت اليد العاملة الأفريقية البديل الأنسب لشركات البناء وأشغال الري والطرقات والفلاحة، نظراً إلى عزوف شريحة واسعة من الشباب الجزائري عن تلك الأشغال التي تستلزم جهداً بدنياً شاقاً.

وفيما تشير الرابطة في دراستها إلى تعرّض مهاجرين أفارقة إلى حوادث عمل مميتة، تطالب السلطات المختصة بتحقيق معمّق حول استغلال هؤلاء في العمل، "فهم في الغالب يتركون عوائلهم ويقطعون مسافات طويلة حتى يصلون إلى الجزائر فارين من ويلات الحروب والفقر. وهذا ينبغي أن يضاعف احترامهم وحفظ حقوقهم والتعامل معهم بطرق إنسانية والحفاظ على كرامتهم".

ويشير تقرير ثانٍ نشرته الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان أخيراً، إلى أنّ الجزائر تحصي أكثر من 29 ألف مهاجر غير شرعي وافدين من 23 دولة أفريقية، فيما تقرّ السلطات الجزائرية بوجود 16 ألفاً من الرعايا الأفارقة الذين يقيمون بطريقة غير شرعية في البلاد. يُذكر أنّ وزير الداخلية، نور الدين بدوي، كان قد صرّح، في جلسة برلمانية سابقة، بأنّ "13 ألفاً من الرعايا الأفارقة رُحّلوا إلى بلدانهم في عام 2016 ".

ويوضح التقرير الأخير أنّ إجمالي ما أنفقته الجزائر على اللاجئين الموجودين على التراب الجزائري أكثر من 33 مليون دولار أميركي، خلال السنة الماضية. يضيف أنّ أوضاع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في البلاد تسوء يوماً بعد يوم، بسبب نقص المساعدات التي تقدّمها الدولة الجزائرية نتيجة انخفاض سعر النفط وكذلك المساعدات الدولية التي تلبّي أقل من 46 في المائة من احتياجاتهم الأساسية. ويرى المكلّف بالملفات الخاصة في الرابطة، هواري قدور، أنّ "ثمّة واقعاً مأساوياً وكارثياً يعيشه المهاجرون الأفارقة غير الشرعيين في الجزائر، يعكس المعاناة الإنسانية للعائلات الأفريقية بمعظمها، التي تعيش بالتسوّل أو الأعمال الشاقة".



انتقادات ودفاع

في أواخر السنة الماضية، برزت أكثر قضية المهاجرين الأفارقة في الجزائر. وشهدت مدن كالعاصمة في الشمال وبشار وورقلة في الجنوب، مشادات عنيفة بين السكان المحليين وهؤلاء المهاجرين الذين يقيمون في مخيّمات عشوائية في ضواحي المدن. وقد اتّهم السكان المهاجرين بإثارة الفوضى ونشر الجريمة والسرقة، وطالبوا السلطات بالإسراع في ترحيلهم إلى بلدانهم.

لم تمرّ هذه الأحداث من دون أن ترصدها المنظمات الدولية. وقبل شهرَين، وجّهت منظمة العفو الدولية انتقادات حادة إلى السلطات الجزائرية عقب هذه الأحداث بسبب ما تعدّه عدم توفير ظروف معيشية وإنسانية للمهاجرين. كذلك انتقدت المنظمة ما وصفته بالترحيل القسري للمهاجرين الأفارقة من الجزائر وظروف الترحيل. وصرّحت مديرة مكتب المنظمة في الجزائر، حسينة أوصديق، بأنّهم يتعرّضون للتمييز على صعد عدّة، إذ لا يتمتعون بالحق في العمل والصحة. وقد أعادت أوصديق الوضع إلى غياب قانون ينظّم اللجوء في الجزائر، الأمر الذي يعقّد أوضاع المهاجرين الأفارقة.

من جهتها، ترفض مديرة هيئة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، هذا النوع من الاتهامات، مؤكدة أنّ الجزائر توفّر كلّ الظروف المناسبة للمهاجرين الأفارقة للإقامة فيها، موضحة أنّ الحكومة تموّل وتنشئ مراكز ومخيمات خاصة لإيواء هؤلاء برعاية الهلال الأحمر. وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "حكومة الجزائر تقوم بواجب الضيافة مع المهاجرين الأفارقة. هؤلاء جيراننا وأشقاؤنا، ومجيئهم ولجوؤهم إلى الجزائر بسبب الظروف الداخلية في دولهم، ليس أمراً جديداً. لقد سبق لهم أن لجؤوا إليها في عام 1984، وقبل سنوات كذلك. وعندما يستجير بك الجار عليك أن تقوم بواجبك معه". تضيف أنّ "الجزائر بذلت جهوداً إنسانية كثيرة لصالح المهاجرين الأفارقة، لكنّها ترفض الإشهار بها وترفض استغلال مأساة المهاجرين الأفارقة لغايات وأهداف سياسية". وتستغرب بن حبيلس، وهي وزيرة سابقة للتضامن الوطني، التقارير الدولية التي تنشرها صحف غربية ومنظمات حقوقية عن أوضاع المهاجرين الأفارقة في الجزائر أو عن أوضاع غير إنسانية في مراكز إيواء المهاجرين. وتشير إلى أنّ "الأحداث التي تقع في الجزائر بين السكان المحليين والمهاجرين الأفارقة في بعض الأحيان، عادية وتقع حتى بين الجزائريين أنفسهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ التوتر الاجتماعي ليس وحده ما فرض على السلطات الجزائرية التعامل بجدية مع قضية ترحيل المهاجرين الأفارقة، فالمخاوف الأمنية والمشاكل المتصلة بالسلم المدني كانت الدافع الأكبر. وهو ما يفسّر تصاعد مستوى الحزم للحدّ من الهجرة السرية ومحاربتها ومحاربة شبكات تهريب المهاجرين الأفارقة على الحدود وفي المدن الجنوبية، ومنع عبور هؤلاء المهاجرين إلى عمق الجزائر.

المساهمون