البرغل شنق حاله

20 نوفمبر 2015
يبرعُ اللبنانيون بصنع التبولة (جوزيف براك/فرانس برس)
+ الخط -

لن يمرّ البرغل (قمح مجروش) على متنِ طائرةٍ بعد اليوم. هذه الحبوب العربيّة بلونَيها الأبيض والأسمر، الناعمة والخشنة، والتي تُعدُّ غذاءً أساسياً لدى أهل الشام وتركيا، لن تغادر مطاحن الشرق أو محاله أو بيوته. وإن غُلّفت في ورقة تلوَ أخرى، أو حُمّلت لطفل، لن تمرّ. ولو استند ناقلوها إلى دراسات علميّة وموثّقة حول تاريخها وفوائدها الغذائيّة، ربّما يخيّرك رجل الأمن بينها وبينك. هذا في أحسن الأحوال. وفي حال أخرى، قد يرتاب منك لمجرّد كونك ناقلا للبرغل.

لذيذةٌ هذه الحبوب. والأطيب هي الأكلات التي يمكن صنعها منها. ماذا لو تذوّق رجل الأمن البرغل مع الطماطم أو البرغل مع الدفين أو التبولة وغيرها. المغتربون العرب، خصوصاً من سورية ولبنان، كلّما قصدوا بلادهم لقضاء إجازة مثلاً، يعودون منها وهم يحملون معهم كميات من البرغل. أو ماذا يطهون؟ بينَ وجبةٍ وأخرى، يحضر البرغل. وفي أيام الآحاد، يصنعون "الكبّة النيئة"، ويغمسّونها بالزيت مع أوراق النعناع.

ثقافة البرغل هي عادةٌ وحبّ وذكريات وأكثر. المرأة اللبنانية أو السورية التي لم تدعك الكبّة بين يدَيها يوماً، ستفعل ذلك، وعن طيب خاطر، في بلاد الاغتراب. وهذا حنين أيضاً إلى سفرة ممدودة. هذه الأكلات تجمع العائلة والأصدقاء أكثر من
لحوم أخرى وبطاطس مقلية. سرّ؟ ربّما. العلّة في الذاكرة. ذلك الرابط بين ما كنّا وما نحن عليه الآن. وعلى هذا الخيط الرابط، نعدّ هذه الأكلات.

البرغل لن يمرّ والرابط لا يدوم. ثمّة طلاقٌ بين الثقافات. البلدُ الجديد مثلَ أمٍّ تُجبِر أطفالها على تناول الطعام الذي أعدّته اليوم. لا تفهم أن بعضهم لا يحبّونه. لا يهمّها إذا تقيأوا أو تضايقوا. "هذا الموجود"، تقول. وهذا الموجود أيضاً في دول الاغتراب. لا يعقل أن يكون هناك لاجئون وقبلهم عرب مهاجرون في دول الاغتراب وبرغل في آن. ماذا لو خبأوا متفجرات في حبّاتها الصغيرة؟ لا بدّ من أن ثمة طريقة ما لحشوها. وهم ليسوا مستعدّين لتحمّل المزيد منّا. نجاحات العرب في بلادهم لا تعنيهم. لا بد من أن بين مواطنيهم مبدعين كثرا، وإلّا لما وصلوا إلى ما هم عليه. أوّل من أمس، هبطت طائرة اضطرارياً في مطار بورغاس في بلغاريا بعد إنذار بوجود قنبلة. قبلها، هبطت طائرتان فرنسيّتان كانتا تتجهان إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد بلاغٍ بوجود قنبلة. العلّة في برغل منقول إذاً.

ربّما لم يعد البرغل مجرّد نوع من الحبوب. ولأن الأرز ليس حكراً على بلاد الشام أو تركيا، فهو أكثر أماناً، ويصلح المثل القائل: "العزّ للرز والبرغل شنق حاله (نفسه)". ليجرّب المغتربون تحضير التبولة من دون برغل، أو استبداله بالأرزّ.

اقرأ أيضاً: موت "معجّل مكرّر"
المساهمون