مكتبات كثيرة وقراء أقل

22 نوفمبر 2018
في معرض بيروت للكتاب (راتب الصفدي/ الأناضول)
+ الخط -
في لبنان من الصعب إحصاء المكتبات، وحتى المكتبات العامة تتعرض أعدادها للزيادة والنقصان في المقالات التي تتناول هذا القطاع. مرد ذلك أن في لبنان العديد من الأنظمة الإدارية منها ما هو خاص بمؤسسات تابعة للدولة بنسبة مائة بالمائة ومنها ما هو مشترك، ومنها ما هو مستقل مع أنه يتبع القطاع العام. لكن بيروت الآن لا تملك مكتبة عامة حقيقية كما سبق، إذ إن ما هو موجود من مكتبات تتبع البلدية وبعض الجامعات والجمعيات، لا يرتقي إلى مرتبة مكتبة وطنية عامة يقصدها الجميع، وتملك كماً هائلاً من الكتب في مختلف المجالات، ومساحات متاحة وتجهيزات ملائمة وخدمات أرشفة متطورة. مع ذلك ففي طرابلس (الشمال) مكتبة السائح، وفي بعقلين – الجبل هناك مكتبة وطنية تقدم خدماتها للمحيط الجبلي. وأسميت هذه المكتبة بالوطنية لأنها افتتحت خلال مرحلة الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط، بعد أن كان بناؤها يستعمل سجناً للنزلاء. وعليه أطلق عليها اسم الوطنية نسبة إلى الحركة الوطنية. هناك مكتبات بلدية في عدد من المدن ولكنها فقيرة الموجودات والإمكانات المادية والبشرية على حد سواء.

قد يشعر القارئ أن هناك نقصاً في المكتبات في لبنان، لكن الفعلي هو بالعكس تماماً، ففي نواحي لبنان وبلداته وقراه هناك شبكة مراكز المطالعة والتنشيط الثقافي المؤلفة من 14 مكتبة، وقد تم افتتاحها في العام 2001 بالتعاون مع المنظمة الدولية الفرنكوفونية. وهذه تلعب دورها، وهي جزء من قرابة 106 مكتبات شريكة لوزارة الثقافة، أبرزها دون منازع مكتبة السبيل التي تملك حوالي 13 مشروعاً في بيروت وضواحيها بالتعاون مع البلدية ومنطقة ايل دوفرانس الفرنسية ولديها مكتبة متنقلة تجوب الأحياء والقرى البعيدة. هذه الشبكات تحصل من الوزارة على تجهيزات مكتبية وإلكترونية ومجموعات من الكتب وبلغات متعددة، ودورات تقنية للعاملين وتساعد في النشاطات المتنوعة.

لكن مركز الثقل الأساسي يعتمد فعلياً على المكتبات الأكاديمية والأهلية. ولعل الأبرز والأكبر بينها هي مكتبة يافث في الجامعة الأميركية والمكتبة الشرقية التابعة لجامعة القديس يوسف ومكتبة جامعة بيروت العربية ومكتبة الجامعة اللبنانية الأميركية والجامعات: اللبنانية والإمام الأوزاعي والإسلامية وسيدة اللويزة والأنطونية والمعهد العالي للدراسات الإسلامية التابع لجمعية المقاصد التي أعلنت عن إقفاله مؤقتاً بسبب أزمتها المالية، والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية. وتظل المكتبة الأكثر حداثة هي مكتبة جامعة الروح القدس – الكسليك لجهة التجهيزات التقنية التي تتميز عن سواها في مجال ترميم وصيانة الكتب والمحفوظات. ومن بين المكتبات المهمة مكتبة المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله وهي الوحيدة في ضاحية بيروت الجنوبية. أما مكتبة مركز الدراسات الفلسطينية فهي الأغنى من سواها متفرقة ومجتمعة في مجال اختصاصها بما تصدره وتقتنيه عن القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية. بعض قليل مما ذكرنا يطلب اشتراكات شهرية من المستفيدين، إلا أن معظمها مجاني.




بالطبع هناك مكتبات في الكليات الجامعية وفي الثانويات الرسمية وبعض المدارس، والقانون يلزم كل مدرسة بتخصيص حيز لمكتبة لخدمة الأساتذة والطلاب. والمراكز الثقافية تملك مكتبات متواضعة تبعاً لإمكاناتها وكرم المتبرعين من أعضائها والأصدقاء. لكن المشكلة ليست في عدد المكتبات وتنوعها وموجوداتها من مراجع ومصادر، بل في محدودية عدد القراء، مع أنها على الإجمال تقدم تسهيلات كبرى بما فيه اعتماد نظام الإعارة الخارجية. وقد أصاب هذه المكتبات ما أصاب سواها في باقي الدول العربية والأجنبية مع عصر واتساب وفيسبوك وسواها من برامج تواصل "سطحي" في الأعم الأغلب.

*باحث وأستاذ جامعي
المساهمون