خالتي فاطمة.. 20 عاماً في خدمة سينما الريف المغربية

02 مايو 2015
(محمد عبد الرافع)
+ الخط -

"عندما كان الرجل يرغب في السهر مع زوجته، كان يصطحبها إلى السينما". وتضحك فاطمة الغالي. لكنها سرعان ما تتنبّه للواقع.. "السينما اليوم اختفت. اختلفت عادات الناس القديمة".

قبل عشرين عاماً، بدأت فاطمة تعمل في الخزانة السينمائية أو سينما الريف في مدينة طنجة الواقعة شمال المغرب. كانت مهمتها تقضي بتنظيف قاعات السينما وأروقتها، أما اليوم فقد تسلمت شؤون المقهى التابع للسينما بعدما أعيد تأهيلها في عام 2007.

تحرص فاطمة على أداء عملها بجدية وإتقان وبكثير من المحبة، من توريق النعناع إلى تحضير القهوة الأميركية بالحليب أو السوداء وصولاً إلى الحلويات الخفيفة. وعند النظر إلى يديها، تظهر راحتاها وقد صُبغتا باللون البنيّ. "هذا نتيجة توريق النعناع"، الذي تشتريه في كل يوم بالإضافة إلى نبتتَي الشيبة واللويزة. هي أيضاً تشرف على عملية شراء صناديق الحليب والمشروبات الغازية وأكياس البن، وتطهو الطعام لأربعين شخصاً أو أكثر في حال كانت ثمة نشاطات وفعاليات ثقافية.

لا تنتهي مهمة فاطمة عند هذا الحد. فهي تتابع أيضاً شؤون العاملين معها، ثلاثة شبان ورجل في عقده الخامس يساعدونها في قاعة المقهى وخارجها في تقديم أكواب المشروبات الساخنة والباردة للزبائن.

تعيش فاطمة في طنجة مذ كانت طفلة، وتتذكر ما تسميه "الزمن السينمائي الجميل". ففي الماضي، كانت السينما مزدهرة وقد فتحت صالات عرض كثيرة، تغصّ بالناس وفي عطل نهاية أسبوع والأعياد. وكانت فاطمة تحب مشاهدة الأفلام العربية الكلاسيكية المصرية، "كان ممثلي المفضل فريد شوقي". وهي لم تنسَ حتى اللحظة فيلمه "لا تبكي يا حبيب العمر".

وتذكر أيضاً الأفلام الهندية التي عرضتها سينما الريف لفترة طويلة، "أتذكر البطل الهندي أميتاب باتشان. كانت أفلاماً شيّقة للفرجة".

وكما تذكر أيام العز، كذلك لا تنسى فترات الهبوط التي عرفتها سينما الريف. فتلك أصبحت مقصداً لمدمني الكحول ومادة "السلسيون" ومكاناً قذراً يكثر فيه القيء والبول، إلى حين عملت السينمائية المغربية يطو برادة على إعادة قيمتها إليها.

فاطمة اليوم في أول الستينيات، وقد شهدت فتح أبواب صالات كثيرة وإغلاق أخرى، "ولم يتبقَّ اليوم إلا أربع صالات في المدينة". بالنسبة إليها، ظهور الفضائيات وإقبال الناس الكبير عليها هو ما أدّى إلى تراجع السينما.

كلّما قصدتَ مقهى السينما اليوم، تلاحظ إضافات جديدة من قبيل آنية زجاجية شفافة تملأها بباقات الورود والأزهار الملونة يومياً، لتزّين فيها زوايا المقهى وطاولاته.

بالنسبة إلى فاطمة، "عملي مريح. والسينما دارنا الثانية". حتى عندما أغلقت السينما أبوابها لعام ونصف العام قبل أن تعود بحلتها الجديد، لم تنقطع رواتب الموظفين.

بعد مرض زوجها وخضوعه لعمليتين جراحيتين في الكلى، اضطر إلى ملازمة المنزل لمدة عامين. فتوّجب عليها الخروج بحثاً عن عمل. اشتغلت في أماكن عدة "وانتهى بي المطاف هنا. كان أطفالي صغاراً وكان الناس يساعدوننا ويقفون إلى جانبنا، لكنني لم أعوّل على ذلك". هي أرادت أن تربي أولادها (أربعة صبيان وفتاتان) جيداً وأن تطعمهم وتلبسهم وتدرسهم كسواهم من الأطفال، "والحمد لله أصبحوا أولاداً طيبين".

تتقن فاطمة أربع لغات، الفرنسية والأسبانية أكثر بقليل من الإنكليزية، في حين تتمكن من اللهجة المغربية. وهذا ما ساعدها بالإضافة إلى شهادتها الابتدائية وقدرتها على الكتابة والقراءة، في الحصول على عملها. والمرأة التي تتقاعد بعد عامين، تعمل يومياً من الساعة العاشرة صباحاً حتى الخامسة عصراً، في حين تتصاعد وتيرة العمل في أيام الصيف بالتزامن مع العطلة المدرسية والموسم السياحي.

يتميّز المقهى الذي تديره فاطمة بأجواء عائلية محببة مع موسيقى هادئة ومقاعد مريحة واتصال مجاني بشبكة الإنترنت بالإضافة إلى خدمات أخرى. ويرتاده في الأغلب الشباب للقاء الأصدقاء أو الدراسة. ففي السينما ناد سينمائي خاص للمدرسة الأميركية، وآخر للمركز الثقافي الفرنسي. كذلك، يقصدها تلاميذ المدارس الإعدادية لمشاهدة أفلام أو تعلّم دروس جديدة، "فكل شيء لدينا منظم".

إلى ذلك، تضطر فاطمة إلى التعامل على مدار الساعة مع أشخاص من جنسيات مختلفة. أما أجمل العبارات التي تحب سماعها وتستلطفها فهي عندما تنادى بـ "الوالدة" أو "خالتي فاطمة". الكلّ يقدّرها، "وهذا شيء مهّم بالنسبة إلي". وعن سرّ مذاق كوب "الأتاي" الذي تعدّه صباحاً والذي يختلف عن كوب المساء الذي يعدّه بعض مساعديها، تقول مبتسمة "أحبّ أن أتقن عملي.. عشرة على عشرة".
دلالات
المساهمون