محمود سالم. هذا اسم الأميركي - اليمني الذي أقدم على الانتحار قبل أيام، على خلفيّة عدم منح حقّ لمّ شمل لعائلته في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد قرار حظر السفر الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب. خبر نقلته شبكة "إن بي سي" التي أوضحت أنّ ثلاثة من أبناء سالم الصغار مواطنون أميركيون، في حين أنّ اثنَين (الأكبر سناً) وزوجته ليسا كذلك. وكان سالم قد اتّصل بعائلته المقيمة حالياً بجيبوتي في 18 يوليو/ تموز المنصرم وودّعها. على الأثر، صرّح شقيقه الذي يعيش في ميشيغان الأميركية بأنّ مَنْع عائلته من دخول البلاد هو الذي تسبّب في إقدام سالم على إنهاء حياته، "فهو لم يكن قادراً على الإتيان بهم إلى هنا والذهاب بهم إلى اليمن".
بجرّة قلم، قضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب على آمال آلاف من اليمنيين وسواهم من مواطني تسع دول أنزل غضبه عليها في العام الماضي، فحُرموا بذلك من لمّ شمل عائلاتهم والاجتماع من جديد مع أولادهم وزوجاتهم. أحمد النجار من هؤلاء، وقصّته تختصر قصصهم.
"كنت قد جهّزت شقة لأولادي الأربعة وزوجتي ليتمكنوا من ملاقاتي أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية فنعيش تحت سقف واحد من جديد، لكنّ قرار ترامب وجّه الضربة القاضية إلى حلمي حتى إشعار آخر. ونحن كنّا قد انتظرنا أكثر من أربعة أعوام لكي يحصل أولادي وزوجتي على تأشيرات دخول إلى البلاد، على الرغم من أنّني أحمل الجنسية الأميركية". يضيف أحمد النجار، وهو مهاجر يمني، لـ"العربي الجديد"، أنّه ترك الشقة الجديدة وعاد ليستقر في واحدة صغيرة ووزّع الأثاث على من يرغب فيه. ويتساءل: "ماذا أفعل بشقة كبيرة لوحدي من دون زوجتي وأولادي؟". ولا يخفي النجار حزنه الشديد من جرّاء الإجراءات الأميركية التعسفية في حقه وحق عدد كبير من اليمنيين ورعايا آخرين من الدول التي شملها قرار المنع. هو كان يظنّ أنّ الولايات المتحدة سوف تؤمّن له حقوقه الكاملة عندما يصير مواطناً فيها.
والنجار الذي يعمل سائق سيارة ليموزين في نيويورك ويعيش في الولايات المتحدة منذ عام 1995، ليس حالة استثنائية فآلاف المهاجرين المقيمين بصورة دائمة في البلاد بمن فيهم الذين يحملون الجنسية الأميركية، يعانون من صعوبة في لمّ شمل عائلاتهم. ولعلّ أكثر المتضررين هم رعايا الدول التي شملها قرار المنع الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي والذي شمل سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وهي اليمن وسورية والعراق والسودان والصومال وإيران وليبيا بالإضافة إلى فنزويلا وكوريا الشمالية. وما يزيد الطين بلة هو قرار المحكمة العليا الصادر قبل نحو أسبوعَين والقاضي بأنّ قرار ترامب بحظر مواطني دول عدّة من دخول الولايات المتحدة لأسباب "أمنية" جاء من ضمن صلاحياته الرئاسية.
صحيح أنّ الصعوبات التي يواجهها المهاجرون لا تُقتصر على مدّة رئاسة ترامب، إلا أنّ الأمور في عهده وصلت إلى طريق مسدود بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة لهؤلاء الآتين من الدول التي شملها مرسوم المنع. والقرار يسمح لمواطني تلك الدول المشمولة بالمنع والذين لديهم أقرباء أميركيون أو الذين يقيمون في الولايات المتحدة بصورة قانونية، بتقديم طلب لـ"رفع" المنع على أن يجري الاستماع إلى طلبهم في السفارة أو القنصلية الأميركية في بلدهم للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. يُذكر أنّه مذ بدأت السلطات الأميركية العمل بالقرار في نهاية العام الماضي، جرى تقديم أربعة آلاف طلب من مواطني تلك الدول المشمولة بالمنع والذين ينطبق عليهم الاستثناء. لكنّ السلطات الأميركية وافقت على أربع حالات فقط من أصل أربعة آلاف.
تجدر الإشارة إلى أنّ النجار توجّه إلى الولايات المتحدة في عام 1995، وعلى الرغم من حصوله على إقامة قانونية فإنّه لم يتمكّن من جلب زوجته معه مباشرة بعد زواجه في نهاية عام 1999، والوضع على حاله حتى اليوم. ويعيد النجار الأمر إلى "أسباب عدّة من بينها صعوبة ظروفي المادية آنذاك، كذلك فإنّ الحصول على تأشيرة دخول لزوجتي اليمنية كان ليتطلب سنوات". تمكّن النجار من منح اثنَين من أبنائه ولدا بعد تجنيسه في عام 2006، الجنسية الأميركية، غير أنّهما ما زالا في اليمن مع ولدَيه الآخرَين وزوجته.
ويتحدث النجار عن متاهات لمّ الشمل على الرغم من أنّه يحمل الجنسية الأميركية، لافتاً إلى أنّ "ابنَينا اللذَين ولدا قبل حصولي على الجنسية لم يحصلا حتى اليوم على ترخيص لزيارتي في الولايات المتحدة". يضيف: "بدأت بمعاملات لمّ الشمل في عام 2014 وقد عمدت السلطات الأميركية إلى فصل ملف زوجتي عن ابنَينا اللذَين ولدا قبل حصولي على الجنسية. وفي عام 2015 حصلت هي على التأشيرة، لكنّني لم أحصل على موعد مقابلة بخصوص الولدَين إلا بعد ذلك بسنتَين أي في عام 2017". ويتابع النجار أنّه "طوال سنتَين انتظرت الحصول على موعد لمقابلة هنا في نيويورك. وبعدما أنهينا المقابلة، كان عليهم القيام بأخرى في اليمن، لكنّ السفارة الأميركية أغلقت أبوابها هناك بسبب الأحداث وبالتالي يتوجّب على اليمنيين الذهاب إلى دولة أخرى لإجراء مقابلة نتائجها غير مضمونة أصلاً".
ويتساءل النجار: "كيف لي أن آتي بولدَيّ اللذَين يحملان الجنسية الأميركية وأترك والدتهما وأخويهما في اليمن؟ من جهة أخرى، هل أعود إلى اليمن في ظروف الحرب الصعبة - وهي كانت كذلك حتى قبل الحرب - بينما أنا في حاجة إلى إعالة عائلتي"؟ ويؤكد النجار أنّه "من حقي كأميركي أن أعيش مع أولادي وزوجتي في نيويورك. وما يقلقني كذلك هو أنّ دخول ولدَي الصغيرَين إلى المدرسة قد حان، ولا تتوفّر أيّ مدرسة في المنطقة حيث تعيش عائلتي". ويشير إلى أنّه "تحت حكم الرئيس باراك أوباما، كانت الأمور تسير ببطء شديد وقد تتطلب سنوات، لكنّ الأمل كان موجوداً. أمّا اليوم، فالطريق مسدود كلياً".
على مدى أربعة أعوام، حاول النجار إنجاز لمّ الشمل، ولم يوفّر خطوة من الإجراءات المطلوبة. ولأنّه كان من المستحيل إجراء مقابلة زوجته واثنَين من أولاده في اليمن، توجّهوا مع الولدَين الآخرَين اللذَين يحملان الجنسية الأميركية إلى جيبوتي، مع كلّ ما رافق ذلك من مخاطر. ويخبر: "كنّا قد استكملنا كل المعاملات واستحصلنا على الكمّ الهائل من الأوراق المطلوبة ناهيك عن الإثباتات المادية، مع الإشارة إلى أنّ المصاريف كانت كبيرة بدءاً من تذاكر السفر ذهاباً وإياباً بعد الحصول على التأشيرات وصولاً إلى ما استوجبته إقامة أربعة أشخاص هناك. وفي السفارة الأميركية، أُبلغَت عائلتي أنّه لا يمكن القيام بأيّ شيء من أجلنا بسبب القرارات الإدارية التي أصدرها ترامب". ويلفت النجار إلى أنّه "خلال أيام أوباما، كنّا ندرك أنّ ثمّة تشدداً في حقّ اليمنيين وأنّه لا يمكن التغاضي عن أيّ قصور في ملف ويطلبون في عدد لا بأس به من الحالات الخضوع لفحص الحمض النووي للتأكد من أنّ الأولاد هم بالفعل كذلك. أمّا اليوم، فقد وضعونا كيمنيين تحت سقف الإجراءات الإدارية إلى أجل غير مسمّى. وهذا يعني سنوات ميّتة بعيداً عن العائلة. وهذا وضع صعب جداً بالنسبة إليّ وبالنسبة إلى عائلتي، لكنّني لا أستطيع القيام بأيّ شيء غير الانتظار. هو انتظار لا ينتهي". وعن خططه المستقبلية، يقول النجار إنّه تحدّث مع أكثر من جهة ومع نائب منطقته في الكونغرس في حين يحاول ألا يستسلم لليأس، "فأنا لا أملك رفاهية اليأس". ويتحدّث عن عائلات يمنية كثيرة منقسمة بين الولايات المتحدة واليمن وتعيش الوضع نفسه، في ظل عدم قدرتها على لمّ الشمل.