إذا كان هناك من لقب مختلف للفلسطينيين فهو أنّهم شعب الأمل. هذا الشعب ينتظر منذ عام 1948، بأجياله المتعاقبة، العودة إلى البلدات التي هجّره منها الاحتلال الإسرائيلي، لكنّه يختبر كثيراً من الأزمات الراهنة، إحداها الانتظار عند معبر رفح.
تزداد الظروف سوءاً كلّ يوم في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، فبعد أزمة خصومات رواتب الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية وعدم حصولهم عليها خلال إبريل/ نيسان الماضي باتت الأزمة تطاول كلّ البيوت التي تعتمد على مصادر رزق مختلفة. أما المرضى فأزمتهم مضاعفة، إذ يعتمدون على الأدوية من مستودعات وزارة الصحة التي تعاني من نقص حاد في الإمداد، ووكالة "أونروا" التي تشهد أسوأ أزمة مالية منذ تأسيسها.
المرضى هم الضحية الكبرى في اشتداد الأزمة هذه، فالآلاف منهم ينتظرون فتح معبر رفح الذي يفصل القطاع عن مصر، والذي يفتح أبوابه بمعدل 3 أيام كلّ شهر، وهي فترة لا تكفي لإدخالهم جميعاً. وهكذا بات معبر رفح بوابة نجاة لهم.
تخضع الحاجة صديقة أبو ندى (60 عاماً) إلى جلسة غسيل كلى كلّ يومين في قسم الكلى بمجمع الشفاء الطبي، وتنتظر السماح لها بالسفر. لم يفلح انتظارها عند معبر رفح أكثر من ثماني ساعات، فقد أقفل الطرف المصري الطريق أمام المسافرين في ذلك النهار، على الرغم من وجود اسمها في الكشف كما توضح. قبل شهرين، لم يستطع أبناء الحاجة أبو ندى دفع مبلغ للسماح لوالدتهم بالعبور بشكل استثنائي، إذ لم يتوفر معهم ألفا دولار أميركي. المبلغ يدفع لأحد مكاتب السياحة والسفر الذي يتولى بدوره التنسيق مع جهات المعابر المصرية كطلب عاجل، ويبدأ المبلغ من 2000 دولار وربما يصل إلى 3000 دولار.
إثر فشلهم ذاك، زادت حالة أبو ندى سوءاً وانخفض ضغط دمها إلى أقل من 6 درجات، واحتاجت إلى أدوية تحتوي على حديد وبروتينات لتحسين مستوى الدم ليست لها أعراض جانبية، لكنهم لم يجدوا إلّا نوعين متوفرين في غزة من أصل 5 أنواع تلزمها. كان من المقرر أن تجري أبو ندى زراعة كلى في ديسمبر/ كانون الأول نهاية العام الماضي 2017، وهي تحتاج قبل العملية إلى شهرين لتحسن مستوى الدم والحالة الصحية لها وللمتبرع، وهو ابنها سليمان (40 عاماً)، وقد خسرت أكثر من 10 كيلوغرامات من وزنها منذ إصابتها بالفشل الكلوي في أغسطس/ آب العام الماضي.
تقول أبو ندى لـ"العربي الجديد": "للأسف، السلطة الفلسطينية لم تتكفل بعلاجي في مستشفيات الضفة الغربية، لأنّ التكاليف في المستشفيات المصرية أقل، لكنّهم لا يعلمون أنّنا نخسر حياتنا ونحن ننتظر التوجه إلى مصر، فالمعبر هذا كابوس على كلّ سكان غزة، ولا أعلم إن كنت سأصمد إلى حين فتحه، أم ستحصل لديّ مضاعفات".
من جهته، فإنّ أحمد أبو جزر (70 عاماً) مرفوض أمنياً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك لا يستطيع اجتياز معبر "إيرز" للعلاج في أيّ من مستشفيات الداخل أو الضفة الغربية، بالرغم من أنّه تلقى العلاج هناك قبل عامين، إذ أجرى جراحة في عينه اليسرى في أحد مستشفيات نابلس، لكن، رُفض مروره أخيراً لأنّ أحد أبناء شقيقه مقاوم في أحد الفصائل العسكرية، ولا يسمح الاحتلال لأقاربه من الدرجة الأولى والثانية بالعبور إلى الداخل الفلسطيني.
يستغرب أبو جزر رفض الاحتلال منحه تصريح الدخول، فهو مسن لا يشكل خطراً عليهم، ولا يفضل العلاج في مصر، لكن ما باليد حيلة كما يقول، فيضطر للانتظار أمام أكثر من 20 ألف اسم تنتظر مثله فتح معبر رفح، بحسب أرقام دائرة الإدارة العامة للمعابر الفلسطينية، منهم مرضى وطلاب وحالات إنسانية وأصحاب جوازات أجنبية وإقامات. أبو جزر ينتظر إجراء جراحة في العمود الفقري في مستشفى فلسطين في القاهرة، فهي عملية حساسة ولا أجهزة وتقنيات متاحة في مستشفيات قطاع غزة. يقول لـ"العربي الجديد": "سافرت زوجتي للعلاج في مصر لتجري عملية تركيب حوض، وكانت رحلتها في صيف العام الماضي سيئة جداً فهي لم تلقَ معاملة جيدة من الطواقم الطبية المصرية. بدوري، أتخوف من العلاج في مصر بكلّ صراحة، لكن لا بديل لنا إلّا مصر... هكذا هي السياسة وهذا ما يجبرنا عليه الاحتلال".
لا تقتصر معاناة المرضى على كبار السنّ، فالصغار يذوقون المعاناة نفسها. للطفل مجد حكاية مع معبر رفح، فهو على مدار أكثر من عامين يسافر للعلاج في مصر، إذ لديه شلل أطفال. توجهت والدته، براءة العطار (34 عاماً)، مرتين إلى معبر رفح، وفشلت في اجتيازه في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين، لأنّ المصريين لم يُدخلوا إلّا عدداً محدداً من المسافرين، ومن نسقوا مسبقاً لهم الأولوية. يبلغ مجد خمسة أعوام، أصيب بشلل الأطفال في عامه الأول، وتلقى علاجه في تركيا قبل عام ونصف العام وتحسن بشكل كبير، لكنّ إغلاق معبر رفح أفقده التحسن، علماً أنّ الطبيب التركي تكفل بعلاجه مجاناً عندما زار غزة بعد العدوان الأخير على غزة عام 2014.