ترحيل من ألمانيا... طالبو اللجوء يخضعون لقانون هجرة جديد

26 يوليو 2019
هل ينتظر موعد ترحيله؟ (آدم بري/ Getty)
+ الخط -

من الآن فصاعداً، سوف تستند ألمانيا إلى قانون جديد في تعاملها مع طالبي اللجوء يُطبَّق على الأشخاص الذين وصلوا إلى البلاد قبل الأول من أغسطس/ آب 2018.

أقرّ البرلمان الألماني (بوندستاغ) أخيراً قانوناً جديداً للهجرة يتضمّن نقاطاً بارزة حول التشدّد في عمليات الترحيل، يُعرف بقانون "العودة المنظمة"، وذلك بعدما فشلت السلطات الألمانية في ترحيل نصف عدد طالبي اللجوء المرفوضين في عام 2018، فرُحّل نحو 26 ألف شخص من أصل 56 ألفاً وفق ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية. وقد أعطى القانون الجديد مزيداً من الصلاحيات للشرطة بهدف التعامل مع الأشخاص المطلوب ترحيلهم وقد عمدوا إلى التخفّي وفق آليات معيّنة، فأجاز تفتيش أماكن سكنهم في حال لم يغادروا بعد 30 يوماً من تاريخ المغادرة المحدّد لهم، بالإضافة إلى السماح للشرطة باستخدام السجون لتوقيفهم في حال عدم توفّر أمكنة في المراكز المخصصة لهم والبالغ عددها 490 مركزاً في كل أنحاء ألمانيا، مع إلزام الجهات الأمنية بعزل طالبي اللجوء من مرتكبي الجرائم عن السجناء العاديين.

وفي أحد التعديلات، مدّد القانون مدّة بقاء طالبي اللجوء في تلك المراكز لتصل إلى 18 شهراً بدلاً من ستّة أشهر، باستثناء العائلات، علماً أنّ بلدان هؤلاء تكون مدرجة على قائمة الدول الآمنة. كذلك، تضمّنت الحزمة الشاملة للهجرة منح إقامة للأشخاص الذين تقدّموا بطلبات لجوء من خلال مستندات مزوّرة أو خاطئة أو الذين لا يتعاونون لتوفير أوراقهم الثبوتية اللازمة. وتلك الإقامة تكون بمثابة تصريح سماح (للأشخاص مجهولي الهوية) شريطة أن يكونوا قد برهنوا سعيهم إلى الحصول على الأوراق اللازمة للترحيل.

وتفيد وزارة الداخلية الاتحادية وفق ما نقل موقع القناة الثانية في التلفزيون الألماني أخيراً بأنّ 240 ألف شخص حالياً مطلوب منهم مغادرة البلاد، منهم 180 ألفاً يحملون تصاريح لمنع الترحيل المؤقت "دولدونغ". فثمّة تسامح مع أوضاع هؤلاء الأخيرين، إذ إنّه من غير الممكن ترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية مخافة تعرّضهم إلى التعذيب فيها أو لأنّهم مرضى أو يتلقون تعليماً أو تدريباً أو لأنّهم قاصرون. لكنّ تلك التصاريح تفرض قيوداً على أماكن سكن هؤلاء فيما لا يحقّ لهم العمل. يُذكر أنّ التشريع الجديد يسمح للحاصلين على تصاريح "دولدونغ" بالانتساب إلى دورات اندماج بعد مضيّ ستة أشهر على حصولهم عليها، بمن فيهم الذين يقطنون في مراكز الإرساء.




في سياق متصل، أجمع وزراء داخلية الولايات الألمانية في لقائهم الأخير في مدينة كيل بولاية شليسفيغ هولشتاين (شمال) على تمديد حظر ترحيل طالبي اللجوء السوريين حتى نهاية العام الجاري. يأتي ذلك في حين تعمد ولايتَا بافاريا وسكسونيا إلى ترحيل اللاجئين غير الخطرين أمنياً ولا المجرمين إلى أفغانستان، أمّا ولايات أخرى فتطبّق ذلك الإجراء على بعض الحالات الفردية، وهو ما ترفضه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعد تزايد عمليات الترحيل إلى كابول في ظل الوضع الخطر هناك. وكان ممثل المفوضية في ألمانيا دومينيك بارتش قد صرّح الشهر الماضي بأنّ تدهور الوضع الأمني في أفغانستان لا يسمح بترحيل طالبي اللجوء الأفغان إليها، مشيراً إلى وجوب عدم ترحيل إلا الحالات الاستثنائية. وقد شدّد على أهمية دراسة كل طلب لجوء مقدّم من أفغانستان بدقّة وعلى حدة، لأنّ الأخطار تختلف بين شخص وآخر بحسب السنّ ومسقط الرأس وما إليهما، وكذلك على إعادة النظر في بعض قرارات اللجوء التي اتخذت قبل أعوام عدّة لأنّ الأوضاع تبدّلت.

وقد لقي قانون الهجرة الجديد الذي يدعو إلى تسريع ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، اعتراضات من أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية داعمة للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين ومنظمات المجتمع المدني. من بين تلك المنظمات "برو أزول" التي انتقد مديرها التنفيذي غونتر بوركهارت خطط الترحيل، مشيراً إلى أنّ قانون العودة المنظّمة مهّد الطريق أمام عمليات الاحتجاز والترحيل التي لا حدود لها بعد الحرمان والعزل في مراكز الاستقبال الأولية بحسب ما نقلت عنه صحيفة "بيلد" الألمانية. أضاف أنّ عشرات الأشخاص سوف يعيشون بشكل دائم في خوف من السجن والترحيل، علماً أنّهم سبق أن فرّوا من أنظمة ظلم واستبداد.



أمّا القائمون على المعهد الألماني لحقوق الإنسان فرأوا أنّ القانون تضمّن تقليصاً كبيراً للحقوق الأساسية والإنسانية الخاصة باللاجئين والمهاجرين. من جهته، وصف وزير الاندماج في ولاية شمال الراين - فيستفاليا، يوآخيم ستامب، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الحر (ليبيرالي) الحزمة الشاملة للهجرة بأنّها فقيرة وغير عملية، موضحاً أنّ القانون افتقر إلى منح فرص عمل أفضل لطالبي اللجوء المندمجين من حاملي تصاريح "دولدونغ"، ومؤكداً أنّ ذلك ليس فعلاً غير مسؤول على الصعيد الإنساني بل يتضمّن غباء اقتصادياً. بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي الحر، وبحسب ما جاء على لسان الأمينة العامة ليندا تويتبرغ، فإنّ أساس المشكلة يكمن في الفوضى المتعلقة بصلاحيات الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. كذلك يرى الحزب أنّ نقاطاً عدّة ما زالت غامضة في سياسة اللجوء الأوروبية التي تفتقر إلى الإصلاح وإلى تطوير العمل البطيء للوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية "فرونتكس"، إلى جانب التوزيع غير المتكافئ للاجئين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقبل إقرار البرلمان الألماني (بوندستاغ) قانون الهجرة الجديد أخيراً، وجّهت إليه 22 منظمة من المجتمع المدني رسالة لفتت فيها إلى أنّ القانون المقترح يستبعد وبصورة دائمة مشاركة كثيرين من اللاجئين وطالبي اللجوء في الحياة الاجتماعية في ألمانيا ويعرّضهم إلى عقوبات غير ملائمة، في حين أنّه يجعل أسباب الاحتجاز مفتوحة.

وكانت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية قد نشرت أخيراً أنّ مقاومة قانون (وزير الداخلية الألماني هورست) زيهوفر المعروف بقانون "العودة المنظمة" قد ازدادت، فيما أوصت اللجنة القانونية في المجلس الاتحادي (بوندسرات) الذي يمثّل الولايات في ألمانيا بنقل القانون إلى لجنة الوساطة في كلّ من "بوندستاغ" و"بوندسرات"، إذ إنّه ينتهك القانون الأوروبي. وهو ما أشار إليه مسؤولون، من بينهم وزير العدل المحلي في ولاية برلين ديرك بريندت (حزب الخضر) الذي قال للصحيفة نفسها إنّ "الإحالة إلى لجنة الوساطة أمر لا غنى عنه لترسيخ المعايير الدنيا لسيادة القانون"، مشيراً إلى أنّ "إخضاع أسر بأكملها لنظام عقوبات ينتهك بشكل صارخ القوانين المعمول بها". لكنّ "بوندسرات" كان قد وافق في نهاية الشهر الماضي على الحزمة الخاصة بالهجرة مثلما أقرّت في "بوندستاغ"، وقد دافع عنها وزير الداخلية المحلي في ولاية سكسونيا السفلى بوريس بيستوريوس قائلاً إنّها جاءت كحلّ وسط، مضيفاً أنّ عمليات الترحيل أمر مرهق جداً. وأوضح أنّ الأمر لا يتعلق فقط بالأعداد إنّما بالأشخاص الذين يتوجّب عليهم أن يغادروا البلاد لأنّهم لا يتمتعون بحقّ البقاء، بحسب ما نقلت مجموعة "فونكه" الإعلامية الألمانية.




تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير مختلفة بيّنت أخيراً أنّ عدد طلبات اللجوء زاد في الفصل الأول من العام الجاري في دول الاتحاد الأوروبي ووصل بين يناير/ كانون الثاني وإبريل/ نيسان الماضيَين إلى 206 آلاف شخص، أي بزيادة نسبتها 15 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. ونقلت مجموعة "فونكه" الإعلامية أنّ المهاجرين بمعظمهم من دول غرب البلقان وأميركا اللاتينية ووجهتهم الأساسية ألمانيا.
المساهمون