"برامج مميزة" في جامعات مصر الحكومية

09 سبتمبر 2018
في الداخل، "اتجار في الوهم" (العربي الجديد)
+ الخط -

ظاهرة مقلقة راحت تنتشر في داخل أسوار الجامعات الحكومية في مصر، وهي "البرامج الخاصة" أو"البرامج المميزة". ونجدها في "كليات القمة"، لا سيّما الكليات العملية مثل كليات الطب البشري والبيطري والصيدلة وأقسام كليات الهندسة، إلى جانب عدد من الكليات النظرية، في مقابل مادي يتراوح بين 18 ألف جنيه مصري و70 ألفاً (بين ألف دولار أميركي وأربعة آلاف تقريباً) سنوياً، على أن يُسدّد نصف المبلغ في التيرم (الفصل) الأول والباقي في الثاني.

وفي حين يرى مطّلعون أنّ تكلفة تلك البرامج شبيهة بالأسعار التي تضعها الجامعات الخاصة، يروّج أساتذة جامعيون وموظفون لها بأساليب مبتكرة في أثناء استقبالهم الطلاب الجدد، لعلّهم ينجحون في إقناعهم بأهميتها. ويشدّدون على إيجابيتها، لا سيّما عند التخرّج، فهي قد تجعلهم أعلى شأناً من الطلاب الذين لم يحصلوا عليها. وقد فوجئ طلاب وأولياء أمور كثيرون بتلك التكلفة، خصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى والفقراء، ومنهم من يخشى على المستقبل في حال عدم اختيار تلك البرامج.

ويتخوّف مراقبون كثر في مصر من أن تتحول الكليات المعنيّة شيئاً فشيئاً إلى جامعات خاصة، بعدما اتّسع نطاق تلك البرامج تحت مسميات كثيرة. ويرى هؤلاء المراقبون أنّ تلك البرامج أشبه بدروس خصوصية تجري علناً في داخل الجامعات المصرية، مشدّدين على خطورتها على العملية التعليمية والتفرقة بين المستويات الاجتماعية للطلاب في داخل الكليات المعنية. ويشير المراقبون كذلك إلى أنّ تلك المبالغ تمثّل عائداً مادياً للكليات فقط، من دون أن تحقق أهدافها الحقيقية بالنسبة إلى الخريجين في سوق العمل، وذلك في غياب رقابة وزارة التعليم العالي.

إلى ذلك تأتي رسوم سحب "الأبليكيشن" أو ملف الانتساب إلى تلك الكليات، وهو كناية عن "ورقة بسيطة" تتضمّن بيانات الطالب من قبيل الاسم والمجموع الذي حصل عليه في الثانوية العامة وعنوان السكن ورقم الهاتف وما إليها. وتتراوح تلك الرسوم بين 400 جنيه و600 (بين 22 و33 دولاراً تقريباً) ويُطلق عليها "مصروفات إدارية".




يخبر عمرو محمد وهو طالب في الفرقة الأولى من كلية الطب البيطري، أنّه فوجئ في أثناء تقديم أوراقه إلى الكلية مثل غيره بتلك المبالغ المالية، مشيراً إلى أنّ "أحد أساتذة الكلية أكد أهمية تلك البرامج المتخصصة لسوق العمل، في مقابل 18 ألف جنيه (ألف دولار) سنوياً، وأنّه لا بدّ منها". أمّا الطالب محمد محمود، فيقول إنّ "ما يحدث في داخل الكليات الجامعية في مصر يشبه بداية نهاية مجانية التعليم. وأنا كنت قد أنفقت أكثر من 40 ألف جنيه (أكثر من ألفَين و200 دولار) على الدروس الخصوصية أيّام الثانوية العامة قبل أن التحق بكلية الهندسة، وقد فوجئت بنظام تلك البرامج". يضيف أنّ "التعليم في مصر صار وبالاً على الأسر المصرية. ثمّة دفع للأموال من دون أيّ جديد على أرض الواقع، وسط البطالة التي تواجه الخريجين".

في السياق، يقول الأستاذ في جامعة عين شمس الدكتور سمير حسين إنّ "تلك البرامج التي ازدادت في بعض الكليات تعد أسلوباً جديداً للتحايل على الطلاب وبداية لانتهاء التعليم المجاني في مصر"، مشيراً إلى أنّ "الجامعات الخاصة والمدارس الخاصة والمبالغ المالية الكبيرة التي تُدفع داخل الجامعات الحكومية تؤكد ذلك". يضيف أنّ "التعليم ليس كالماء والهواء مثلما يردد المسؤولون في مصر، فما يحدث هو بيزنس جديد يجتاح الجامعات الحكومية". ويتابع حسين أنّ "ثمّة كليات عدّت تلك الأموال دخلاً لها للإنفاق على منشآتها الداخلية في ظل نقص الميزانيات والموارد. وتلك البرامج تكثر كانتشار النار في الهشيم، وجامعتا القاهرة وعين شمس من أكثر الجامعات المعنية".




من جهته، يلفت الخبير التربوي الدكتور رأفت عمران إلى أنّ "تلك البرامج تمددت من الكليات العلمية إلى النظرية، مثل كليات الإعلام والتجارة والحاسب الآلي، وفي كلية الحقوق (إنكليزي وفرنسي) وكلية الألسن، وثمّة أساتذة يرونها المنقذ في الإنفاق على العملية التعليمية وتطوير المعامل (المختبرات) وبناها التحتية، في ظل نقص الإنفاق الحكومي على التعليم الجامعي". وإذ يقول إنّ التكلفة يحددها مجلس الكلية، يؤكد أنّ "البرامج لم تضع بصمتها في مجال تطوير التعليم، ولم تُضِف أيّ جديد". ويصفها بأنّها "اتجار في الوهم تلجأ إليه الكليات للحصول على أكبر قدر مادي. وبالتالي، صارت الجامعات الحكومية أقرب إلى الجامعات الخاصة لجهة جمع الأموال من الطلاب".
المساهمون