تأخّر عناقنا كثيراً

12 نوفمبر 2016
إنّه الخريف (كارل جوزيف هيلدنبراند/ فرانس برس)
+ الخط -
كان يجب على السماء أن تكون أكثر وضوحاً ممّا هي عليه. وكان يفترض بغيومها أن تصير أكثر قتامة. أوراق الأشجار قد مهّدت الطريق لهما، ولملمها الأطفال ورسموها ولوّنوها وقالوا إنه الخريف. السماء على حالها. غيومها لا تنذر بتبدّل، ولا تقول لسيّدات المنازل إنه حان وقت إخراج السجّاد من العليّات وفرشه على بلاط المنازل. ذلك الدفء الذي نرثه، والذي يحلّ علينا دفعة واحدة في الوقت نفسه من كلّ عام. كأنّ اللحظة حانت لنطلب من النادل إحضار كوب من الشوكولاتة الساخنة، أم نسأل أمّهاتنا إعداد السحلب مع الكعك. نسأل أي أمّ.

السماء تُحرجنا ولا تتبدّل. غيوم الصيف تحتلّها وترفض أن تغادر إلى سماءٍ أخرى. المكان يناسبها ولا يناسبنا. نحتاج إلى حمّام ساخن يزيل عن أجسادنا إرث الصيف. لم نبدّل ثيابنا. ما زالت الأكمام الطويلة في طبقات الخزائن العليا والقصيرة تحت، بمتناولنا. لم نتخلّص بعد من أثواب ملّتها أجسادنا. لم نعتقها ونتحرّر من ذكرى. السماء لا تجبرنا على فعل ذلك، بل تحرجنا أمام كومة من الأقمشة تنتظر قرارات منّا.

تخشى أن تمطر وتسكب مياهها فوق رؤوسنا. تخاف أن نشتمها إذا ما بلّلت ثياباً مكويّة أو خصلات شعر ملّستها أجهزة ترمي هواءً ساخناً. لا تودّ سماع شتائم نساء نسين الغسيل على الحبال، فصار هزيلاً.

الثياب في الخزائن ترغب في الانتقال إلى رفوف أخرى. تريد تغييراً ما، واستراحة من الدوران في الغسالة، والبقاء ساعات تحت أشعة الشمس. باتت في حاجة إلى قليل من العزلة، والتفكير في الأجساد التي كستها، وتلك التي سترميها وقد عتقت، هي التي تحمّلت رائحة أجسادٍ كانت كريهة أحياناً. ترتبط هذه بذكريات ومواقف وأشخاص كانوا سبباً في ارتدائها ومرايا تنظر وتحكم. ترتبط بثوب "كان يليق بك"، وقميص "يزيدك جمالاً".

ومن بين هذه الأكوام، نحتفظ بثياب عزيزة، ونقول إنّنا نحبّها وقد باتت جزءاً منّا ومن أجسادنا. لها مكانها ومكانتها في خزائننا. حتى لو لم نرتدها، هي باقية لتكبر معنا. جميلة بموضتها القديمة، وها نحن نعتّقها ونزيدها جمالاً. والسماء.. لا تمطر والهواء ساخن ولا دفء فيه. ويتأخّر صباح تملأه رائحة السجّاد، بعدما انتهت نساء من "تعزيل" البيت، وإبعاد الثياب الصيفية. نتأخّر في ترتيب خزانة أكثر دفئاً وقد اشتاقت إلينا، ولا نبالي بتوديع أخرى حفظت كل تفاصيلنا على مدى الأشهر الماضية، حتى بتنا نخاف منها.

السماء لا تمطر. ألا ترأف بنا؟ أوراق الخريف باتت بعيدة. والشالات ما زالت في مكانٍ لا تطاوله أيدينا. تأخّر عناقنا كثيراً.

دلالات
المساهمون