يجد أكثر من مليون مدني سوري في مدينة إدلب، شمال غربي البلاد، أنفسهم تحت ضغط نفسي غير مسبوق، بالتزامن مع العملية العسكرية الأخيرة التي تقضم بلدات منطقة ريف إدلب الواحدة تلوى الأخرى معتمدةً سياسة الأرض المحروقة. وفي ظلّ القصف العنيف، تقلّصت الخيارات أمام هؤلاء، فإمّا البقاء واستقبال الموت وإمّا النزوح إلى المجهول.
محمد المعراوي، من السوريين الذين نزحوا أخيراً من معرّة النعمان، جنوبي محافظة إدلب، إلى مدينة إدلب، يخبر "العربي الجديد" بأنّه يسمع "بوضوح" انفجارات القذائف والصواريخ المتساقطة على البلدات القريبة من إدلب، مشيراً إلى أنّ "تلك الأصوات تنعكس سلباً على نفسيّة المدنيين، ما دفع كثيرين إلى التفكير بشكل جدي بالنزوح من المدينة، مع اقتراب قوات النظام". يضيف أنّه "على الرغم من هدوء الأوضاع الأمنية نسبياً، في داخل المدينة، باستثناء بعض الاستهدافات والغارات على المحيط الشرقي وكذلك الجنوبي، فإنّ أحاديث سكّانها تدور بمعظمها حول النزوح وفرصه والأماكن التي يمكن الوصول إليها هرباً من الواقع الأمني الذي قد يُفرض على المدينة". لكنّ المعراوي يلفت إلى أنّ "الوضع الاقتصادي المتردّي لا يسمح لعائلات كثيرة بالنزوح"، متسائلاً "كيف تؤمّن تلك العائلات منازل تأوي إليها، إذ إنّ بدلات الإيجار تبدأ من 60 دولاراً أميركياً؟ ونحن نتحدّث عن غالبية من الأهالي تعاني الفقر".
محمد شكيب الخالدي، نازح من سراقب، شرقي المحافظة، إلى مدينة إدلب، يحكي لـ"العربي الجديد"، عن "مخاوف كبيرة لدى سكان إدلب من تقدّم قوات النظام، ما يدفعهم إلى التفكير جدياً بالخروج من المدينة". ويؤكد: "نعم الوضع النفسي لهؤلاء سيّئ جداً، وثمّة عائلات نزحت بالفعل. ففي محافظة إدلب لم تعد أيّ منطقة آمنة"، مضيفاً أنّ "الناس لا يعرفون إلى أين يتوجّهون، فالخيارات محدودة في حال وُجدت، وهي بمعظمها حلول شخصية لا أكثر". لكنّ الخالدي حسم أمره، بحسب ما يبدو، فيقول: "لن أنزح. سأبقى في إدلب. لن أكرر تجربة النزوح من جديد، فالموت تحت القصف أشرف من النزوح ومرارته". وعن الخيارات، يوضح أنّها "محدودة بالنسبة إلى الناس عموماً، لكنّ ثمّة احتمالات ممكنة لقلّة، منها التوجّه إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو الانتقال إلى تركيا"، غير أنّه يشير إلى أنّ "النظام يمنع الأشخاص المولودين في محافظة إدلب وكذلك محافظة دير الزور وفي ريف دمشق من دخول مناطقه، فيما تصل تكاليف السفر إلى تركيا لنحو 2500 دولار للشخص الواحد، وهذا مبلغ كبير جداً بالنسبة إلى معظم الناس".
أمّا وسيم الخلف، وهو من سكان مدينة إدلب، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "المخاوف اليوم ليست بحجم التهديد الكبير الذي يقترب من المدينة"، لافتاً إلى "نزوح محدود تمّ من قبل بعض العائلات إلى المنطقة الحدودية الواقعة إلى الشمال من إدلب، وهو نزوح إلى المجهول". يضيف أنّه "في الإمكان لمس درجة الخوف عندما نشاهد تراجع الحركة في أسواق المدينة، بعدما كانت تغصّ بالناس. فهي اليوم شبه خالية".
في السياق، يقول مسؤول العلاقات العامة في المجلس المحلي لمدينة إدلب صلاح غفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع ضبابي حتى الآن، ولا تتوفّر أيّ ضمانات لعدم تقدّم الجيش، والناس يعيشون حالة ذعر كبيرة". ويلفت إلى أنّ "عدد سكان مدينة إدلب حالياً يقارب المليون نسمة، ولا أماكن حتى ينزحوا إليها. بالتالي فإنّ الأمر خطير جداً، بل ثمّة كارثة إنسانية محتملة لم تشهدها البشرية من قبل". يضيف غفير أنّ "النزوح من إدلب يتسارع، لكن ثمّة فئة كبيرة غير قادرة على ذلك بسبب الأحوال المادية المتردية وعدم توفّر أماكن تنزح إليها في الأساس"، مشيراً من جهة أخرى إلى أنّ "الأسواق في حالة الشلل، وثمّة تجار نقلوا بضائعهم إلى مناطق أخرى أكثر أماناً".
من جهته، يقول مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة في إدلب الدكتور أنس دغيم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة مخاوف لدى الأهالي من سكان المدينة، بكل تأكيد، والشارع محتقن". يضيف أنّه "لا تتوفّر لدينا خطة للإخلاء في الوقت الحالي، لكنّ العمل سوف يتمّ على وضع خطة طوارئ لإخلاء المستشفيات والمراكز الطبية في حال تفاقم الوضع الأمني أو استُهدفت المدينة بالقصف". أمّا مشرف المجمّع التربوي في مدينة إدلب أبو أحمد العبسي، فيتحدّث لـ"العربي الجديد"، عن "تأثّر العملية التربوية في حال حدوث عمليات نزوح جماعي من المدينة"، مشيراً إلى "خطط لتفريغ المدارس من محتوياتها، وتأمين أخرى بديلة في مناطق أكثر أماناً مع العمل على استيعاب التلاميذ. لكنّ هذه الإجراءات تفوق طاقاتنا وإمكانياتنا، خصوصاً أنّنا نتحدث عن نحو 50 ألف تلميذ وتلميذة".