ما زال شباب تونسيون "بلا قيود" ينفّذون اعتصامهم المفتوح، مطالببن بحقّهم في التشغيل بعدما مرّت سنوات على نيل بعضهم شهادات جامعية. وهؤلاء، عدد منهم على الأقل، راحوا يلجأون إلى أعمال هامشية ريثما تُسوّى أوضاعهم.
"نحن أربع شقيقات نحمل شهادات عليا في اللغة الفرنسية أو الإسبانية، لكنّنا عاطلات عن العمل منذ سنوات عدّة، إذ تخرّجنا منذ عام 2010 تباعاً. كذلك لدينا شقيق وحيد لم ينه تعليمه الجامعي ولم يجد بدوره أيّ شغل، في حين أنّ والدي يعاني من إعاقة بصرية ومن مرض السكري ويتقاضى منحة تقدّر بـ 120 ديناراً تونسياً (نحو 45 دولاراً أميركياً). أمّا والدتنا فلا تعمل وتعاني بدورها من أمراض مزمنة. بالتالي فإنّ ظروفنا الاجتماعية صعبة وأملنا أن يشتغل أيّ منّا لإنقاذ العائلة من براثن الفقر". بهذه الكلمات تختصر سناء رحموني لـ"العربي الجديد" وضع عائلتها مؤكدة على حاجتها الملحة إلى الشغل. يُذكر أنّ رحموني هي من فوسانة في محافظة القصرين، وسط غرب تونس، ووضعها يتشابه مع أوضاع مئات الشباب العاطلين من العمل في محافظتها المهمشة والمنسية.
وتخوض رحموني اعتصاماً مفتوحاً مع 180 شاباً من حاملي الشهادات الجامعية في مقرّ معتمدية فوسانة بعد نفاد صبرهم وتجاهل الحكومة مطالبهم. وتؤكد أنّ "اعتصامنا انطلق في عام 2016 وبقينا نجدد مطالبنا بطرق سلمية، خصوصاً في شهر يناير/ كانون الثاني 2018. وعلى الرغم من ذلك، لم يحضر أيّ مسؤول جهوي للاستماع أو التحدث إلنا".
من جهته، يقول رشدي مولهي الذي يحمل شهادة عليا في المواد الغذائية، إنّ "1800 شاب من أصحاب الشهادات العليا العاطلين من العمل يعيشون في فوسانة التي تُعدّ أكثر منطقة في ولاية القصرين تضمّ عاطلين من العمل". ويلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يقطن على بعد 12 كيلومتراً من المعتمدية، ومع ذلك يبقى أياماً على التوالي في الاعتصام في حين أنّ الماء والكهرباء لا تتوفران لهم. يُذكر أنّ المعتمدية مغلقة ولم يُعيَّن معتمد منذ أكثر من عام.
يضيف مولهي أنّ "عائلتي من العائلات المعوزة ونحصل على إعانة من الدولة بقيمة 150 ديناراً (نحو 55 دولاراً). كذلك فإنّ شقيقي يتابع دراسته الجامعية، وهذه الجراية البسيطة تسدد تكلفة الكهرباء والمياه والمعيشة. لكن، على الرغم من شكاوى عدّة أطلقتها فإنّني لا أجد أيّ مجيب". ويتابع أنّ "والي القصرين سمير بوقديدة زار أخيراً منطقنا من أجل البلدية الجديدة، ففوّضنا اثنَين من المعتصمين الحديث معه، وأخبرنا أنّ لا انتدابات في الوظيفة العمومية وأنّ الإمكانية الوحيدة للتشغيل هي في القطاع الخاص. وقد أشار بوقديدة إلى أنّه في ظل البنية التحتية المتردية وعدم توفّر وسائل النقل والعزلة التي تعاني منها المنطقة، فإنّ أيّ مشروع سوف فشل". ويؤكد مولهي أنّهم سئموا العمل في مهن هامشية كالبناء وغيره، "ونحن في حاجة إلى جرعة أمل أو إيجاد آلية لانتدابنا".
أمّا سلاف الفريدي فتوضح أنّ "المشاركين في اعتصام شباب بلا قيود بمعظمهم، يتحدرون من أسر فقيرة وثمّة من تخرّج منذ 10 أعوام وما زال يعاني من البطالة". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّه "من الممكن أن تجد في العائلة نفسها فردَين أو ثلاثة لا يشتغلون. وأنا على سبيل المثال، مضى على تخرّجي تسعة أعوام ومع ذلك لم يجر انتدابي في الوظيفة العمومية، كذلك الأمر بالنسبة إلى شقيقتي". وتتابع الفريدي أنّ "أكثر ما يؤلمنا هو تجاهل المسؤولين على الرغم من الاعتصامات المتواترة التي نفذناها. والدي يتقاضى جراية بسيطة لا تتعدى 160 ديناراً (نحو 60 دولاراً) ولا تكفي لتأمين قوت اليوم". وتؤكد أنّ "أملنا الوحيد هو التشغيل. ونحن نفّذنا شتى أنواع الاحتجاجات، منها خياطة أفواهنا وتنفيذ إضراب عن الطعام، لكن دون جدوى".
وتشير الفريدي إلى أنّها عملت في القطاع الخاص لكنّها لم تجنِ أيّ شيء يذكر، فالشركات بمعظمها موجودة في العاصمة وذلك يعني استئجار بيت هناك وتحمّل مصاريف التنقل، الأمر الذي جعلها عاجزة عن مساعدة أسرتها وهو ما أجبرها على العودة إلى محافظتها مجدداً. وتشدد على أنّهم يريدون الانتداب أو بصيص أمل يعيد إليهم الثقة في الدولة ويشعرهم بالانتماء إلى الوطن.
وأمام انسداد الأفق، اختار صابر سالمي الذي يحمل شهادة عليا في الإعلام، إطلاق مشروع خاص لكنّه واجه عراقيل عدّة أبرزها التمويل. يقول لـ"العربي الجديد": "طلبت مبلغ 30 ألف دينار (نحو 11 ألفاً و400 دولار) لكنّهم أبلغوني بأنّني سوف أحصل على ثمانية آلاف دينار (نحو ثلاثة آلاف دولار) فقط وهو مبلغ لا يكفي لاقتناء التجهيزات الأساسية". ويشير إلى أنّ "صندوق الصداقة القطري وافق على تبنّي مشروعي وتمويله بنسبة 40 في المائة، إلا أنّ العائق يكمن في تلكؤ بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بتونس والتحجج بغياب المال".
من السياق، يلفت منسق اعتصام شباب بلا قيود، حسنين بركاوي، إلى أنّهم اختاروا شعار "بلا قيود" للتأكيد على استقلاليتهم وعدم انتمائهم إلى أيّ جهة أو تنظيم حزبي أو جمعية. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه تخرّج منذ عام 2012 ويحمل شهادة في الاقتصاد، وقد عمل كمعوّض في مجال التعليم بالإنابة وبأجر لا يتعدى 200 دينار (نحو 75 دولاراً) ولكن من دون أدنى الحقوق. وإذ يخبر بأنه جرى التخلي عنه سريعاً، يشير إلى أنّ "القوانين ظلمتنا كثيراً والدولة تجاهلتنا". ويتابع أنّ فوسانة منطقة حدودية ومهددة بالإرهاب ولا تتوفر فيها مؤسسات ولا شركات، بالتالي فإنّ لا آفاق أمامهم. ويكمل أنّ "عدم إيلاء منطقتنا الحقّ في التنمية والتشغيل، يجعلها مهددة بمخاطر عدة في حين أنّ شبابها معرّضون للانحراف".
ويلفت بركاوي إلى أنّ لديه شقيقاً يحصل قريباً على شهادة دكتوراه، أمّا شقيقه الأصغر فقد اضطر إلى الانقطاع عن التعليم والعمل في مجال البناء لمساعدة الأسرة، مبينا أنّ ما يحزّ في نفسه هو أن يرى والده المسنّ ينهض منذ الفجر ليعمل ويعيل أسرته". ويشدّد على "تمسكنا بحقنا في الاعتصام وفي الشغل اللائق والعيش الكريم، مع استعدادنا لخوض كل الأشكال النضالية من أجل الدفاع عن حقنا الطبيعي والدستوري". ويكمل أنّهم يفكرون في التصعيد والاعتصام على الحدود التونسية الجزائرية، محذراً من تداعيات هذه السياسات على السلم الاجتماعي بالجهة.