دراما طبقية

01 يوليو 2016
المواطنون الشعبيون هم الأكثر حرصاً على صالح البلاد (Getty)
+ الخط -
نبهني صديق قرأ تدوينتي الأخيرة في هذا المكان، إلى ضرورة الحديث عن تصدير الدراما التلفزيونية نوعاً من العنصرية المجتمعية لجمهورها، من خلال إظهار قسم من البشر باعتبارهم أفضل من الآخرين، خاصة وأننا في شهر رمضان الذي بات موسماً سنوياً للدراما.

كانت التدوينة عن مقارنة بين أحداث المسلسل التلفزيوني المصري الشهير "الراية البيضا"، ومسلسل الفساد اللبناني المتعلق بشاطئ "الرملة البيضا"، وفيها وقائع تبدو إلى حد كبير متطابقة.

انتبهت إلى ملمح هام شغلني كثيراً، وربما غاب عن كثيرين، على الرغم من أنه كان ظاهراً في الدراما التلفزيونية التي شاهدها ملايين العرب، وباتت إحدى كلاسيكيات الدراما العربية، وخاصة أن صانعيها الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، والمخرج الكبير محمد فاضل، وأبطالها الراحلة سناء جميل والقدير جميل راتب والشباب وقتها هشام سليم وسمية الألفي.

في المسلسل قسم المؤلف الكبير المجتمع بحدة ووضوح لا يستقيمان بين النخبة المثقفة والمواطنين الشعبيين، وفي رؤيته في المسلسل أن النخبة دائماً واعية وحريصة على مصالح البلاد والعباد، أمّا الشعبيون فلصوصٌ أو أفاقون أو جاهلون لا يعنيهم التاريخ أو المستقبل، وهو ما نفذه المخرج الكبير، وبرع في تقديمه الأبطال.

وينتمي فاضل وعكاشة إلى عصر جمال عبد الناصر الذي كان يزعم أنه قام مع زملائه من الضباط بعزل الملك للقضاء على الطبقية والإقطاع والواسطة، وهو زعمٌ اتضح زيفه لاحقاً، إلا أنهما صنعا مسلسلاً مليئاً بالطبقية التي لا يمكن تصورها إلا من أتباع الأنظمة الفاشية.

في السنوات الخمس الأخيرة، وبعد تفجر ثورات الربيع العربي، اتضح جلياً أن المواطنين الشعبيين هم الأكثر حرصاً على صالح البلاد، ما جعلهم وقود الثورات وأكبر عدد من المشاركين فيها، وأنهم يمتلكون من الوعي والرغبة في التحرر والقضاء على الاستبداد والفساد، أضعاف ما يمتلك المرفهون من المثقفين الذين شارك بعضهم في الثورات وأحجم أغلبهم.

ويؤكد أفول نجم الربيع العربي، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بقوة الثورات المضادة المدعومة إقليمياً ودولياً، أنّ النخب العربية، في معظمها، كانت أول من تخلى عن الثورة وتضامن مع المنقلبين عليها، سواء الجيوش أو الأنظمة القديمة، على الرغم من أنهم جنوا منها الشهرة والمال، في حين توارى دور الغالبية الشعبية التي لم تستفد شيئاً من تلك الثورات.

يظن بعضهم أن دور الدراما في تشكيل وعي وثقافة الشعوب، خصوصاً الشعوب العربية، هامشياً، لكن الواقع أن تأثيرها على البسطاء من محدودي الوعي يوازي، وربما يفوق في بعض الأحيان، تأثير الثورات نفسها.

المساهمون