المسيحيون السوريون... هذه أسباب هجرتنا

01 أكتوبر 2017
المكوّن المسيحي يغطي معظم الجغرافيا السوريّة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
شعر كثير من السوريين المسيحيين كغيرهم من أبناء بلادهم أنّهم محاصرون بعد الثورة عام 2011، فغادروا إلى بلاد أخرى خوفاً من النظام والزج بهم على جبهاته

لا تتوفّر إحصاءات دقيقة لعدد المسيحيين الذين غادروا سورية، خلال السنوات الستّ الأخيرة، لكنّ التقديرات تشير إلى عشرات الآلاف، لا سيّما من الشباب. هؤلاء وجدوا أنّ الآمال ببناء المستقبل الذي يطمحون إليه، تتضاءل مع المعارك المشتعلة في محافظات سوريّة كثيرة إلى جانب تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد.

تفيد آخر الإحصاءات المتوفّرة، أنّ نسبة المسيحيين في سورية كانت في عام 2010 تقارب ثمانية في المائة من مجموع سكان البلاد، وهو ما يعني أنّ عددهم كان يتجاوز مليونَي نسمة من مختلف الطوائف المسيحية، روم أرثوذكس بمعظمهم إلى جانب الأرمن الأرثوذكس والروم الكاثوليك والسريان الكاثوليك والأرمن الكاثوليك والموارنة والكلدان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس والآشوريين وغيرهم.

وفيما يتوزّع هؤلاء في المحافظات السورية، فإنّ نسبهم تتفاوت من محافظة إلى أخرى، وتشير البيانات إلى أنّ النسبة الأكبر تُسجَّل في محافظة الحسكة وثمّ حلب. لكنّ هذا لا يلغي أنّ انتشار المكوّن المسيحي يغطي معظم الجغرافيا السوريّة، لا سيّما حمص وحماة والرقة ودير الزور ودرعا والسويداء ودمشق وريفها وإدلب ومحافظات الساحل السوري.

وهجرة المكوّن المسيحي من سورية، "قضيّة معقّدة ولها تشعّبات تاريخية كثيرة" بحسب ما يقول الصحافي السوري غياث كنعو. لكنّ كنعو الذي خرج من البلاد منشقاً عن النظام بحكم طبيعة عمله ضمن مؤسسات إعلامية رسميّة قبل نحو خمسة أعوام، يعيد أسباب الهجرة في السنوات القليلة الماضية إلى "أسباب أمنية، إذ إنّ بعضهم لم يعد يحتمل ممارسات الأجهزة الأمنية التي تطاول جميع مكوّنات المجتمع السوري. كذلك ثمّة أسباب اقتصادية، إذ إنّ تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، خصوصاً في مناطق الجزيرة السورية. أمّا الأسباب السياسية فتُفسَّر بتصاعد الاحتقان السياسي في البلاد".

ويقول كنعو الذي عمل في مؤسسات إعلامية سوريّة لنحو عقدَين ونصف العقد، لـ "العربي الجديد"، إنّ "تصاعد الخطاب المتطرّف من قبل الجماعات المتشددة بعد بدء الحراك الثوري في سورية، كان له كذلك دور في دفع بعض المسيحيين إلى الهجرة". يضيف أنّ "حالة خوف سادت نتيجة خطاب بعض الفصائل غير المطمئن عموماً"، ويتابع إنّ "ممارسات الفصائل المتطرّفة إلى جانب ممارسات جماعات مثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي كانت عاملاً أساسياً مثلاً في هجرة عدد كبير من مسيحيّي منطقة الجزيرة السوريّة، لا سيّما الشباب منهم هرباً من الملاحقة والاعتقال والزجّ على الجبهات".

ويلفت كنعو إلى أنّ "موالين للنظام من المكوّن المسيحي لجأوا إلى الهجرة. ثمّة عائلات هربت بعيداً عن الحرب القاتلة، وثمّة عائلات هاجرت بسبب عجز النظام - الذي يدّعي أنّه حامي الأقليات - عن حمايتها في حمص أو حماة أو حلب، وحتى في الحسكة، فضلاً عن العامل الاقتصادي".

ما بقي من كنيسة مارالياس بحرستا (دليل سليمان/فرانس برس) 


شهادة
شادي فرح شاب سوري في السابعة والعشرين من عمره، ترك البلاد قبل خمسة أعوام. يخبر أنّه أنهى دراسته الجامعية في دمشق في عام 2012 "عندما كانت الحرب قد استعرت في محيط العاصمة السوريّة وفي محافظات عدّة. وكان عليّ أن أختار بين الالتحاق بالخدمة الإلزامية وبين مغادرة البلاد، فغادرت البلاد إذ لم يعد هناك ما يدعو إلى البقاء". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "سوق العمل كانت في أسوأ أحوالها والوضع الاقتصادي سيئ والاحتقان السياسي في البلاد آخذ بالتصاعد، وكذلك صرت ملاحقاً بسبب تخلّفي عن الالتحاق بالجيش".

وفرح الذي قضى الأعوام الأربعة الأخيرة في النمسا، يقول إنّه لم يفكّر كثيراً بعد تخرّجه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق في قرار الهجرة، "فقد سبقني إلى ذلك القرار عشرات من أصدقائي ومن مختلف المكوّنات. هؤلاء جميعهم كانت لهم الهواجس ذاتها، والهجرة كانت أفضل الحلول المتوفّرة".

قبل الهجرة، كان فرح يسكن مع أسرته في منطقة جديدة عرطوز في ريف دمشق، ولم يكن في يوم يفكّر في هجرة بلاده، "لكنّني شعرت كأنّني صرت محاصراً من كل الاتجاهات. فرأيت نفسي بعد تخرّجي من الجامعة أتّجه إلى لبنان، حيث بقيت أشهراً عدّة قبل أن أسافر إلى تركيا ومنها إلى النمسا".

وعند سؤال فرح عمّا إذا كان قد شعر بتهديد كونه مسيحياً قبل السفر، يجيب: "لم يكن هذا سبباً لهجرتي. في مكان سكني مع أسرتي في ريف دمشق، لم نواجه أيّ ضغوطات أو مخاطر من هذا النوع. ربما يكون بعض المسيحيين في مناطق أخرى قد تعرّضوا لمخاطر بسبب هويّتهم، لكنّ الأمر لا ينطبق عليّ". يضيف أنّ "في مكان سكني، قامت تظاهرات ضدّ النظام، لكنّها لم ترفع شعارات طائفية، وكان لديّ أصدقاء كثيرون يشاركون فيها".