افتتح معرض "مسيحيو الشرق 2000 عام من التاريخ" الذي ينظمه "معهد العالم العربي" في العاصمة الفرنسية باريس أعماله، اليوم الثلاثاء، مستقبلاً الجمهور. هو معرض لكلّ الأذواق، ومختلف المستويات العلمية، والمعلومات المتنوعة بخصوص الشرق المختلف والمتنوع، والذي لم يكشف بعد كلَّ أسراره وذخائره وكنوزه.
معظم الزائرين الأوائل للمعرض كانوا من كبار السنّ، فالثلاثاء يوم عمل، ومنظمو المعرض يراهنون بقوة على إجازات نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية كي يتسنى لهم استقبال جمهور عريض، خصوصاً من الشباب والطلاب والتلاميذ، علماً أنّه سيستمر حتى الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2018.
ماري آن المتقاعدة الباريسية من المشتركين في المعرض، تقول لـ"العربي الجديد": "أواظب على حضور الكثير من أنشطة معهد العالم العربي، وهو ما يجعلني على اطلاع بكلّ جديد، كما أنّي من قرّاء صحيفة لاكروا، الشريكة مع المعرض، والتي كرّست له ملحقاً مهمّاً".
لا يبدي زميلها جان- ألان تحمّسا شديداً للتديّن، لكنّه يعترف لـ"العربي الجديد" أنّ المعرضَ سيكون مهمّاً وناجحاً، لأنّه يترافق مع وضع في الشرق العربي "صعب ولا يجب أن يبقينا - نحن الأوروبيين - لا مبالين".
تتأمل الشابة الهولندية أنجيلا المخطوطات المسيحية القديمة المعروضة، وتلتقط صور بعضها. تحرص على عدم استخدام فلاش الكاميرا، حتى لا تفسد هذه التحف، وتقول: "أنا طالبة هنا في باريس، منذ سنتين، لتعلم اللغة العربية في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية. ووجدت أنّ من الضروري والمنطقي أن أزور هذا المعرض، بسبب الدور الكبير الذي لعبه المسيحيون في النهضة العربية، وفي تطوير اللغة العربية، وفي استقدام المطبعة". تنكب على الجناح الذي يتحدث عن النهضة العربية، التي ساهم فيها مسيحيون كثيرون، غير بعيد عن كتب ضخمة باللغة العربية أعارتها المكتبة الوطنية الفرنسية بهذه المناسبة.
اقــرأ أيضاً
قد يستغرب بعض الفرنسيين وجود مخطوطات مقدسة مسيحية ومنمنمات وتحف كتب عليها بالعربية، وهو حال العجوز بريجيت، التي جاءت إلى المعرض، وهي تجرّ خطواتها ببطء. تعترف لـ"العربي الجديد" أنّها إلى وقت قصير، كانت تخلط بين العربي والمسلم. يتدخل الباحث الحسن المصدق، ويفسّر لها الأمر: "ليس غريباً انطباعك السابق عن العالم العربي، فالكثير من الساسة الفرنسيين يجهلون، بدورهم، حتى اليوم، تاريخ الشرق، ونجدهم يكررون نفس الأخطاء". يضيف: "أثارت وزيرة التربية الوطنية السابقة نجاة بلقاسم مسألة تدريس اللغة العربية في الثانويات الفرنسية، فاتّهمت بمدّ يد العون للتطرف وتشجيع الانطواء على الذات في فرنسا. فلو أنّ هؤلاء الجهلة بحثوا قليلاً، لاكتشفوا أنّ المسيحيين العرب، إلى جانب أبناء جلدتهم المسلمين، أبدعوا في اللغة العربية وطوَّروها ونشروا نصوصهم وقداساتهم الدينية بها، وكانوا رواداً في تأليف القواميس. فلنكتفِ بمثالي جبران خليل جبران وعائلة البستاني".
المشرق العربي، بمكوناته كلّها، مسيحية وإسلامية وغيرهما، معقد ومتنوع، ولم يكشف عن أسراره بعد. من هنا، ربما، يأتي الجواب الذي قد يقدمه هذا المعرض. يقول تيري، الأستاذ المبرّز في التاريخ، لـ"العربي الجديد" حول ما يستهويه في مثل هذه المعارض: "شيءٌ من الفضول المعرفي. لفت انتباهي الحديث عن تحف ستعرض للمرة الأولى. هذا شيء رائع، ولا يتكرر كثيراً. لكنّي ما زلت عند عطشي الأول: هل من المعقول ألاّ نجد كنوزاً أخرى أكثر قدماً، أي كنوز تقربنا من اللحظات الأولى للسيد المسيح؟". لكنّه يستدرك: "أشعر بالغبطة كلّما سمعت عن الاكتشافات المذهلة التي تحققها الحفريات المصرية والفرنسية المستمرة في ربوع مصر، والتي عُرضت أكثر من مرة، هنا، في معهد العالم العربي. لكن ما يحدث على مستوى بلد واحد مثل مصر لا يمكن تعميمه على غيرها، فكيف يمكن تحقيق اكتشافات كبرى والصراعات لم تتوقف في دول الشرق العربي منذ تقاسمته الدول الغربية العظمى، ومنذ نشأت على جزء من أراضيه دولة إسرائيل؟".
بعضهم يأتي إلى المعرض، كما هو شأن جاك، للتبحر في موضوع الاختلافات التي تطبع المسيحيين في الشرق. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا كاثوليكي، ولديّ قربٌ من الموارنة في لبنان، وأرتاد بعض كنائسهم في فرنسا. لكنّي أريد أن أعرف ما الذي يفرق، مثلاً، بين الكنيستين المارونية والأرثوذوكسية. ومتى بدأ هذا الانشقاق بين الطوائف المسيحية، التي يحاول قداسة البابا فرانسيس التقريب بينها. ألَيسَ السيد المسيح مرجعنا جميعاً؟".
من جهتها، تقول فاطمة، وهي ربة بيت وأمّ لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "جئت لاستكشاف المعرض، قبل أن آتي بأبنائي، في أقرب فرصة. درست في الجامعة وحصلت على شهادات، لكنّي لم أعمل بعد. سمعت في إحدى الإذاعات العربية عن هذا المعرض الكبير، فقررت على الفور زيارته. هو بالطبع يهمني، ففي مشرقنا العربي، لا يمكن للمسلم أن يعيش من دون أخيه المسيحي. نحن مرتبطون بوحدة المصير". تضيف: "صدمتنا، خلال الفترة الأخيرة، الفظاعات التي تعرض لها السوريون والعراقيون، من كلّ الديانات والثقافات وتأكَّدَ لنا ما كنّا نعرفه، من قبل، أنّنا إخوة في تلك الأرض وإخوة في المصير". ولأنّ المعرض يهم الصغار أيضاً، تقول فاطمة: "سوف أحضر الصغيرَين من أبنائي، للاستمتاع بأساطير وقصص الأبطال، خصوصاً القصص المصرية التي تعود إلى القرن الخامس. ستروق لهم، طبعاً، كما كان عهدنا نحن في الماضي، دراما هيلاريا ابنة الإمبراطور، ودراما إفيميا، وكذلك لقاء بيزنطيوس مع المومياء؟". تجدر الإشارة إلى أن هذا المعرض أعدّ كتيّباً للأطفال، وهو عبارة عن كاتالوغ، بسعر ستة يورو.
الذهاب إلى عبق الماضي وذكرياته وأسراره لا يلغي الحاضر. لذلك، فإنّ كلّ إشارة إلى هذا المعرض في المجلات والصحف لم يفتها ربطه بالوضع الملتهب في المنطقة، خصوصاً التهجير القسري لمسيحيي العراق قبل سنوات. عدة أشخاص في المعرض، لم يخفوا عن "العربي الجديد" شعوراً بواجب التضامن مع مسيحيي المشرق في هذا الوضع الحَرج الذي يعيشون فيه. ماريا، من أصول برتغالية، تعبّر عن قلقها من "مشرق من دون مسيحيين. هذا ما يريده المتطرفون. أعرف أنّ المسلمين في عمومهم لا يريدون رحيل إخوانهم المسيحيين". تكشف أنّها ساعدت مادياً، ولن تبخَل، مستقبلاً، في مساعدة هؤلاء الضحايا: "يجب فعل الكثير. لكنّ الأفراد وحدهم لن يفعلوا الشيء الكثير، ولهذا أؤيد إرسال جيشنا الفرنسي إلى هناك". تستدرك: "لكن، هل هذا هو الدافع الحقيقي لوجودنا العسكري هناك؟".
نحن أمام معرض تاريخي وديني وثقافي وهذا هو سرّ انخراط صحيفة "لاكروا" الفرنسية، المعروفة بتوجهها المسيحي المتسامح، التي لا تني تذكّر بالواجب التاريخي والسياسي والروحي لحماية هذا المكون، وحماية أماكن عبادته، التي تعرضت لكثير من الدمار والتخريب. تقول إحدى صحافيات "لاكروا" لـ"العربي الجديد": "بين فترة وأخرى متباعدة تكشف حفريات طويلة عن تحفة صغيرة، أو نعثر على مخطوط سكنه الغبار والإهمال، ويأتي من يهدم كنيسة أو ديراً بقذيفة واحدة في ثوان".
يقف الكثير من الزوار أمام البورتريهات المعاصرة، لعائلات مسيحية في الشتات، تعلن عن الأمل، الأمل الذي بشَّر به المسيح، وتركه وصية لا تعرف التقادم. وهي عائلات تحس بالألم، لكنّها لا ترى بدّاً من الحلم بمستقبل واعد "يعيش فيه المرء روحانيته ومُواطَنَتَهُ في آن واحد".
معظم الزائرين الأوائل للمعرض كانوا من كبار السنّ، فالثلاثاء يوم عمل، ومنظمو المعرض يراهنون بقوة على إجازات نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية كي يتسنى لهم استقبال جمهور عريض، خصوصاً من الشباب والطلاب والتلاميذ، علماً أنّه سيستمر حتى الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2018.
ماري آن المتقاعدة الباريسية من المشتركين في المعرض، تقول لـ"العربي الجديد": "أواظب على حضور الكثير من أنشطة معهد العالم العربي، وهو ما يجعلني على اطلاع بكلّ جديد، كما أنّي من قرّاء صحيفة لاكروا، الشريكة مع المعرض، والتي كرّست له ملحقاً مهمّاً".
لا يبدي زميلها جان- ألان تحمّسا شديداً للتديّن، لكنّه يعترف لـ"العربي الجديد" أنّ المعرضَ سيكون مهمّاً وناجحاً، لأنّه يترافق مع وضع في الشرق العربي "صعب ولا يجب أن يبقينا - نحن الأوروبيين - لا مبالين".
تتأمل الشابة الهولندية أنجيلا المخطوطات المسيحية القديمة المعروضة، وتلتقط صور بعضها. تحرص على عدم استخدام فلاش الكاميرا، حتى لا تفسد هذه التحف، وتقول: "أنا طالبة هنا في باريس، منذ سنتين، لتعلم اللغة العربية في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية. ووجدت أنّ من الضروري والمنطقي أن أزور هذا المعرض، بسبب الدور الكبير الذي لعبه المسيحيون في النهضة العربية، وفي تطوير اللغة العربية، وفي استقدام المطبعة". تنكب على الجناح الذي يتحدث عن النهضة العربية، التي ساهم فيها مسيحيون كثيرون، غير بعيد عن كتب ضخمة باللغة العربية أعارتها المكتبة الوطنية الفرنسية بهذه المناسبة.
المشرق العربي، بمكوناته كلّها، مسيحية وإسلامية وغيرهما، معقد ومتنوع، ولم يكشف عن أسراره بعد. من هنا، ربما، يأتي الجواب الذي قد يقدمه هذا المعرض. يقول تيري، الأستاذ المبرّز في التاريخ، لـ"العربي الجديد" حول ما يستهويه في مثل هذه المعارض: "شيءٌ من الفضول المعرفي. لفت انتباهي الحديث عن تحف ستعرض للمرة الأولى. هذا شيء رائع، ولا يتكرر كثيراً. لكنّي ما زلت عند عطشي الأول: هل من المعقول ألاّ نجد كنوزاً أخرى أكثر قدماً، أي كنوز تقربنا من اللحظات الأولى للسيد المسيح؟". لكنّه يستدرك: "أشعر بالغبطة كلّما سمعت عن الاكتشافات المذهلة التي تحققها الحفريات المصرية والفرنسية المستمرة في ربوع مصر، والتي عُرضت أكثر من مرة، هنا، في معهد العالم العربي. لكن ما يحدث على مستوى بلد واحد مثل مصر لا يمكن تعميمه على غيرها، فكيف يمكن تحقيق اكتشافات كبرى والصراعات لم تتوقف في دول الشرق العربي منذ تقاسمته الدول الغربية العظمى، ومنذ نشأت على جزء من أراضيه دولة إسرائيل؟".
بعضهم يأتي إلى المعرض، كما هو شأن جاك، للتبحر في موضوع الاختلافات التي تطبع المسيحيين في الشرق. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا كاثوليكي، ولديّ قربٌ من الموارنة في لبنان، وأرتاد بعض كنائسهم في فرنسا. لكنّي أريد أن أعرف ما الذي يفرق، مثلاً، بين الكنيستين المارونية والأرثوذوكسية. ومتى بدأ هذا الانشقاق بين الطوائف المسيحية، التي يحاول قداسة البابا فرانسيس التقريب بينها. ألَيسَ السيد المسيح مرجعنا جميعاً؟".
من جهتها، تقول فاطمة، وهي ربة بيت وأمّ لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "جئت لاستكشاف المعرض، قبل أن آتي بأبنائي، في أقرب فرصة. درست في الجامعة وحصلت على شهادات، لكنّي لم أعمل بعد. سمعت في إحدى الإذاعات العربية عن هذا المعرض الكبير، فقررت على الفور زيارته. هو بالطبع يهمني، ففي مشرقنا العربي، لا يمكن للمسلم أن يعيش من دون أخيه المسيحي. نحن مرتبطون بوحدة المصير". تضيف: "صدمتنا، خلال الفترة الأخيرة، الفظاعات التي تعرض لها السوريون والعراقيون، من كلّ الديانات والثقافات وتأكَّدَ لنا ما كنّا نعرفه، من قبل، أنّنا إخوة في تلك الأرض وإخوة في المصير". ولأنّ المعرض يهم الصغار أيضاً، تقول فاطمة: "سوف أحضر الصغيرَين من أبنائي، للاستمتاع بأساطير وقصص الأبطال، خصوصاً القصص المصرية التي تعود إلى القرن الخامس. ستروق لهم، طبعاً، كما كان عهدنا نحن في الماضي، دراما هيلاريا ابنة الإمبراطور، ودراما إفيميا، وكذلك لقاء بيزنطيوس مع المومياء؟". تجدر الإشارة إلى أن هذا المعرض أعدّ كتيّباً للأطفال، وهو عبارة عن كاتالوغ، بسعر ستة يورو.
الذهاب إلى عبق الماضي وذكرياته وأسراره لا يلغي الحاضر. لذلك، فإنّ كلّ إشارة إلى هذا المعرض في المجلات والصحف لم يفتها ربطه بالوضع الملتهب في المنطقة، خصوصاً التهجير القسري لمسيحيي العراق قبل سنوات. عدة أشخاص في المعرض، لم يخفوا عن "العربي الجديد" شعوراً بواجب التضامن مع مسيحيي المشرق في هذا الوضع الحَرج الذي يعيشون فيه. ماريا، من أصول برتغالية، تعبّر عن قلقها من "مشرق من دون مسيحيين. هذا ما يريده المتطرفون. أعرف أنّ المسلمين في عمومهم لا يريدون رحيل إخوانهم المسيحيين". تكشف أنّها ساعدت مادياً، ولن تبخَل، مستقبلاً، في مساعدة هؤلاء الضحايا: "يجب فعل الكثير. لكنّ الأفراد وحدهم لن يفعلوا الشيء الكثير، ولهذا أؤيد إرسال جيشنا الفرنسي إلى هناك". تستدرك: "لكن، هل هذا هو الدافع الحقيقي لوجودنا العسكري هناك؟".
نحن أمام معرض تاريخي وديني وثقافي وهذا هو سرّ انخراط صحيفة "لاكروا" الفرنسية، المعروفة بتوجهها المسيحي المتسامح، التي لا تني تذكّر بالواجب التاريخي والسياسي والروحي لحماية هذا المكون، وحماية أماكن عبادته، التي تعرضت لكثير من الدمار والتخريب. تقول إحدى صحافيات "لاكروا" لـ"العربي الجديد": "بين فترة وأخرى متباعدة تكشف حفريات طويلة عن تحفة صغيرة، أو نعثر على مخطوط سكنه الغبار والإهمال، ويأتي من يهدم كنيسة أو ديراً بقذيفة واحدة في ثوان".
يقف الكثير من الزوار أمام البورتريهات المعاصرة، لعائلات مسيحية في الشتات، تعلن عن الأمل، الأمل الذي بشَّر به المسيح، وتركه وصية لا تعرف التقادم. وهي عائلات تحس بالألم، لكنّها لا ترى بدّاً من الحلم بمستقبل واعد "يعيش فيه المرء روحانيته ومُواطَنَتَهُ في آن واحد".