هند شعراوي: ثقافة التدريب غائبة في المنظمات الأهلية العربية

01 ابريل 2015
"التدريب لن ينجح إلاّ إذا تغيرت العقلية" (حسين بيضون)
+ الخط -

تعاني المنظمات الأهلية، ومؤسسات المجتمع المدني في لبنان والعالم العربي، من غياب ثقافة تدريب عامليها بشكل عام. وهو ما تؤكده الأستاذة في الجامعة اللبنانية الدكتورة هند شعراوي، الخبيرة في تطوير الموارد البشرية داخل تلك المنظمات. وتشير شعراوي إلى أنّ غياب هذه الثقافة يجعل التدريب معطلاً حتى في حال إنجازه. لأنّ المتابعة بدورها تغيب، ويغيب معها تطبيق التدريبات. كما تتطرق إلى واقع تمويل الجمعيات في لبنان الذي يخضع بدوره للمحاصصة الطائفية، حتى ولو كان التمويل من منظمة دولية.

- ما هو تطوير الموارد البشرية؟
هو باختصار، تنمية قدرات العاملين ومؤهلاتهم في مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، بهدف تحقيق أهداف المشاريع، وترسيخ بنية العمل الجماعي. ولا يعني ذلك بالضرورة أنّ تلك المؤسسات لا تملك الكوادر المؤهلة وأصحاب الكفاءة المهنية، لكنّ كلّ مجال جديد أو مشروع، يتطلب التدريب والتأهيل الذي يناسبه.

- ما هو واقع الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في لبنان؟
هنالك جمعيات فعالة تعمل وفق رؤية واضحة وشفافة. لكنّ الملاحظ أخيراً تزايد الجمعيات، حتى باتت وكأنّها عمل من لا عمل له. ومن ذلك قيام البعض بافتتاح جمعية مختصة بأيّ مجال اجتماعي وتقديم الطلب من أجل الدعم من الخارج. فينجح في ذلك غالباً، من دون أن يكون لجمعيته أيّ نشاط فعلي على أرض الواقع.

- هل لبنان من البلدان التي تفتقر إلى الكفاءات المؤهلة والمدربة؟
المشكلة الموجودة في لبنان وغيره من الدول العربية هي عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. فتطوير الموارد البشرية عملية مستمرة تستهدف تأهيل وتدريب العاملين. وبينما تخضع في أوروبا للعقلية الإدارية الشفافة، فإنّها في بلادنا تقدم على أنّها نوع من الرفاهية والمكافأة للعامل الذي يرسل إلى دورة تدريبية. وغالباً ما يكون مثل هذا العامل لا علاقة له بالتدريب ولا إمكانية لاستخدامه في عمله اللاحق إنّما أرسل فقط على سبيل التوصية. فيما لا يتمّ إرسال الشخص المناسب إلى تلك الدورة.

- هل يكفي التدريب الذي تقومون به، أم أنّ المشكلة تحتاج ما هو أكثر من ذلك؟
بالرغم من وجود الكوادر المؤهلة داخل المؤسسات، والخاضعة للدورات التدريبية فعلاً، فإنّ التدريب لا يكفي مع غياب المتابعة. المتابعة هي الأساس. والمتابعة تشير هنا إلى تطبيق العاملين لما تدربوا عليه من عدمه. كما تشير إلى مدى السماح لهم بتطبيق ما تدربوا عليه.

- ولماذا لا يسمح لهم بتطبيق معايير أرسلوا إلى الدورات بهدف تلقي التدريبات فيها؟
بسبب الهيكلية الإدارية غير الراسخة. فهنالك في كثير من منظمات المجتمع المدني مدير متفرّد، يُعطّل معه عمل الهيئتين الإدارية والعامة. ويتفرد في القرارات والخطط وعمل المنظمة.

- إذاً، ما هي البيئة الأمثل من أجل تحقيق الأهداف الفعالة للتدريب؟
هي التي تترسخ فيها العقلية الشفافة داخل المؤسسات، وتكون فيها ثقافة المتابعة بعد تلقي التدريب فعالة. فتطبيق التدريب لاحقاً، وتعاون الإدارة مع الذين خضعوا له يحقق تلك الأهداف. ومن الأمثلة على ذلك، التدريب على وقف الهدر في مؤسسة ما من أجل مسايرة المعايير والمواصفات المطلوبة. فمثل هذا التدريب لن ينجح إلاّ إذا تغيرت العقلية والتزمت بتلك المعايير.

- وما هي تلك المعايير التي على المؤسسات الالتزام بها؟
المطلوب أولاً الالتزام بالأهداف التي تريدها هي نفسها من التدريب. وبعض المؤسسات تطلب التدريب تبعاً لتمويل منظمة غير حكومية دولية، أو طلباً لتمويلها، وبذلك تلتزم بمعاييرها. ويتوافق التدريب مع المعايير التي تقرها الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية على صعيد حقوق الإنسان والمرأة والطفل والأشخاص المعوقين، وعلى صعيد التربية السكانية أو الصحة الإنجابية.

- وهل كلّ المنظمات غير الحكومية تطلب مثل هذا التدريب حين تسعى للتعاون مع شريك دولي؟
نعم، فالهدف هو تطابق رؤية المؤسسة وأهدافها مع رؤية الشريك الدولي. إلاّ إذا كانت الجمعية تابعة لطرف سياسي، كالجمعيات التي ترأسها نساء المسؤولين. في هذه الحالة لا تحتاج إلى أيّ تدريب، فالتمويل يأتي بكافة الأحوال. وللأسف، حتى المنظمات الدولية تقسم المساعدات وتمويل المشاريع بحسب الكوتا الطائفية في لبنان، وتوزعها بشكل عام على الجمعيات غير العابرة للطوائف.

- ما هو واقع الهيئات والمؤسسات التي تحتاج مثل هذا التطوير ولماذا؟
عملت مع مؤسسة بريطانية على تطوير التعليم المهني في المنظمات غير الحكومية التي تقدم هذا التعليم في لبنان، ليلائم معايير المؤسسة ومواصفاتها العالية. وتركزت التدريبات فيها على تطوير الجهاز التعليمي، كيف يعلّم الأساتذة وكيف يمتحنون الطلاب وكيف يتعاملون معهم. كذلك شملت التدريبات الجهاز الإداري، وتأهيل المدير في كيفية إدارة مؤسسته. وكان هنالك نواقص كثيرة على هذه الصعد، فالمؤسسات تقدم التعليم المهني لكن بما لا يتناسب مع المعايير المطلوبة، في ما عدا تلك التي تتعاقد مع وزارة التعليم المهني والتقني اللبنانية. وما يصحّ على هذه المؤسسات يصح على غيرها في شتى المجالات.

- ما هي أسس تطوير الموارد البشرية التي تعتمدونها في الدورات التدريبية؟
أولاً، أشير إلى أنّ ثقافة التوثيق ضعيفة داخل المنظمات الأهلية في العالم العربي. وعلى هذا الأساس يتناول التطوير مسألة تدريب العاملين على إعداد التقارير الخاصة بالمشاريع وسير الأعمال. كما تتضمن التنظيم والتطوير الإداري، وتوزيع الأدوار، ووضع الخطط السنوية، وإعداد برامج العمل، وإعادة هيكلة المؤسسة، أو إجراء التعديلات اللازمة بما يلائم أهدافها.

- وهل تشمل التدريبات رصد الانتهاكات ومعالجتها؟
الرصد فقط من دون معالجتها. فالمطلوب من العامل داخل مؤسسة أو جمعية، حين يرصد انتهاكاً ما التبليغ عنه، أو تحويله إلى خبير من دون التصرف المباشر. ومن ذلك العنف الأسري. ومثل هذا التدريب هو من أساسيات أيّ دورة.

عمل أكاديمي وميداني
تحمل شعراوي درجة دكتوراه في العلوم الاجتماعية، ودبلوماً في تطوير الموارد البشرية. وعدا عن عملها المستمر أستاذة في معهد العلوم الاجتماعية وكلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية، عملت باحثة في بداية التسعينيات من القرن الماضي مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). كذلك عملت مستشارة تطوير موارد بشرية في الكويت، مع مجلس الوزراء ووزارة التربية. بالإضافة إلى عملها مع "مجلس خدمات الأصدقاء" البريطاني، وعدد من المؤسسات الاجتماعية اللبنانية.