موتٌ منقطعٌ

11 فبراير 2015
... ولا وميض نور عند طرفه الأخير (عن الإنترنت)
+ الخط -

عند شفير تلك الهاوية راحت سيارة الدفع الرباعي تتأرجح، كما في أفلام السينما عند جرف صخري. لا ترى نفقاً طويلاً ولا وميض نور عند طرفه الأخير.. بل تشعر بما يشبه فراغاً ثقيلاً وتفكّر في أعزّاء كثر.

يبدو أن زمام الأمور هذه المرّة تفلت من يدها. تسقط السيارة في خواء ذلك المنحدر. تتشقلب في الهواء. هي ثوانٍ.. قد تكون دقائق. لا تعلم. ليس الوقت مناسباً للتفكير في الوقت. فحِسّ إدراكه سبق وتلاشى مذ انزلقت السيارة على وحل ذلك الطريق الجبلي وراحت تتأرجح عند شفا الوادي السحيق.

تفكّر في أعزّاء لن تتاح لها فرصة وداعهم. فراغ ثقيل يلفّها. تتشقلب بدورها. لا شكّ في أنها النهاية. يتقطّع نفَسها. يختفي لثوانٍ، وقد انهار عليها رفيقها السائق. تحاول دفعه عنها. لكنها تُحشَر في مقدّمة المركبة. إنه الموت.. لا محالة. تغمض عينَيها. لا تريد أن يغلقهما أحد سواها عند انتشالها ورفيقها من قاع ذلك المنحدر. لطالما اعتادت تدبير شؤونها بنفسها.

وتستقرّ السيارة على سقفها.

***

بعد حسابات دقيقة لأحرف اسمها وتاريخ ميلادها، يمسك ذلك المنجّم براحة يدها اليسرى ويتفحّص خطوطها. يخبرها بأنها ستنجو من الموت بعد حادث خطير. تصوّب توقّعه - أو تظنّ أنها تفعل - قائلة إنها سبق ونجت من الموت قبل أربع سنوات، وإنما بعد عارض صحّي. أما هو فيتمسّك برأيه. "لم يحصل ذلك بعد"، يقول جازماً. ويشير إلى خطّ الحياة المنكسر في راحة يدها.

هي كانت قد قصدت ذلك المنجّم بغرض إجراء مقابلة صحافيّة معه، في بداية حياتها المهنيّة. لكنه عرض عليها رؤية مستقبلها. لم ترفض. يستهويها علم الغيب.

حدث ذلك قبل عشرين عاماً.

***

عام مضى. إنها ذكرى نجاتها الأولى. تشعر بفراغ ثقيل وبنفَسها وهو يتقطّع. ويعود إليها فجأة توقّع ذلك المنجّم. كانت قد نسيت أمره. فتسترجع نقاشهما وكيف كانت واثقة من أنه أخطأ في تقدير توقيت نجاتها من الموت، وأخطأ في تقدير الخطر الذي تَهدّدها. لكنه لم يفعل. هو صدق.

تقلب راحة يدها اليسرى وتمرّر سبابتها اليمنى على خطّ الحياة المكسور في وسطه، فتستعيد بعد ظهر ذلك اليوم من شهر فبراير/شباط.

بعدما استقرّت السيارة على سقفها، تعود لتشعر بنبض ظنّت أنها فقدته. تفتح عينَيها، قبل أن تحاول من جديد دفع رفيقها السائق عنها. وتفشل مرّة أخرى. حتى الكلمات تتمتمها في سرّها، بينما تعلو جلبة في الخارج. وينكسر الصمت الذي كان قد اختلط بذلك الفراغ الثقيل.
دلالات
المساهمون