ضرب متبادل في العراق

22 ابريل 2017
قد ينفجر في أيّ لحظة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يقتصر العنف المدرسي في العراق على المدارس الحكوميّة، أو تلك الموجودة في مناطق الصراع. ويبدو أن العنف يزداد بشكل كبير، نتيجة الظروف الصعبة التي ينشأ فيها الأطفال، حتى إن العنف بات متبادلاً. واللافت أن بعض المدرسين يشكون عدم قدرتهم على محاسبة التلاميذ، وربّما ضربهم.

في السياق، تقول المدرسة منال محمود إنّه في إحدى المرات أغضبها تلميذ لم يتوقف عن الثرثرة مع زميله ولم يلتزم بتحضير فروضه. "سألته وأنا أمسك بياقة قميصه: لماذا لا تتوقّف عن الكلام؟ ولماذا لم تكتب فروضك؟ أليس من أحد يتابع هذا الأمر في البيت؟ فأجابني أن والديه توفيا في الانفجار الذي استهدف السوق قبل أشهر. كانت إجابته صادمة، فندمت كثيراً لأنني وبّخته، وتذكرت أنّ هناك يتامى كثيرين في المدرسة".

وترى محمود أنّ الفروقات الاجتماعية والتفاوت في الأعمار داخل الصف نتيجة الرسوب وغيرها من المشاكل، يساهم في زيادة نسبة العنف بين التلاميذ أنفسهم. فالأكبر سناً يسعى إلى السيطرة على هؤلاء الأصغر، ويجدون أنفسهم مجبرين على طاعته. في الوقت نفسه، تشير إلى أنّ محاسبة التلاميذ في البلاد أمر صعب للغاية، إذ لا يمكن اتّخاذ أي تدابير في شأنهم خصوصاً إذا كان أهلهم ينتمون إلى أحزاب نافذة أو ما شابه.

كيلان علي تلميذ في إحدى المدارس التكميليّة في بلدة المقدادية في محافظة ديالى، يقول إنّه "في إحدى الحصص وخلال إعلان المدرّس نتائج مادة الرياضيات، تبيّن أنّ زميلي رسب. فهدّد الأخير المدرّس بأنه سيندم في حال لم يغيّر الدرجة. وفي اليوم التالي، أحضر عدداً من أصدقائه وعمه الذي كان ينتمي إلى مجموعة مسلحة".




وتتحدّث الباحثة الاجتماعيّة هناء عبد الله التي تعمل في إحدى المدارس الابتدائية، عن العنف بين التلاميذ والهيئة التعليمية. تقول إنّ "العنف في المدارس آفة اجتماعية خطيرة، خصوصاً في العراق". تضيف أنّ "تدني المستوى التعليمي والانفلات الأمني وانتشار السلاح وضعف القانون بل انعدامه، عوامل ساهمت في انتشار العنف وبات البقاء للأقوى". وتؤكّد أنّ "أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية ساهمت في تراجع قطاع التربية والتعليم، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع". وتوضح عبد الله أنّ "مشاكل كثيرة تحدث بين التلاميذ أنفسهم، وأحياناً بين التلاميذ والمدرّسين. قبل فترة، أخبرني مدير إحدى المدارس الابتدائية في مدينة بعقوبة عن منع المدرّس تلميذاً في الصف الأول من الذهاب إلى المرحاض، ما أدى إلى إحراج التلميذ بعدما تبوّل في ثيابه وسخر منه أصدقاؤه. فاضطرّ المدرّس إلى دفع ديّة تعويضاً عمّا فعله. كذلك، كثيراً ما يلجأ تلاميذ إلى تهديد المدرّسين، خصوصاً إذا لم يحصلوا على درجات جيّدة".

وتشير عبد الله إلى أنّه يتوجّب على الهيئة التعليميّة والمتخصصين الاجتماعيين في المدارس أن يكونوا أكثر حذراً في التعامل مع التلاميذ. تضيف أنّ "نسبة العنف تزداد من جرّاء عوامل عدة، منها اليتم، وقد رأى بعض التلاميذ أهلهم يُقتلون أمام أعينهم. كذلك يتمتّع آخرون بقوة ونفوذ بسبب انتماء ذويهم إلى أحزاب نافذة، فيتعاملون بعنجهية وغرور مع الآخرين". وتتابع أنّها حين تتحدّث مع بعض التلاميذ الذين لا يحترمون الآخرين أو يتكلمون بصوت عالٍ، تكتشف أنّهم يعيشون في أسر مفككة، ما يجعلهم أكثر عدوانية. وتطالب بضرورة العمل الجماعي لتقويم سلوك الأطفال، وتكريس وجوب احترام المدرّسين لتلاميذهم، محذّرة من اللجوء إلى ضربهم. وتوضح أنّ "الضرب ليس عقوبة، ومن الأفضل اللجوء إلى وسائل أخرى".

من جهته، يرى التربوي المتقاعد محمد يوسف أنّ "العنف ضد الأطفال ليس جيداً"، لافتاً إلى أنّه "يجب على مدير المدرسة أن يكون قدوة صالحة لغيره. لكنّ المشكلة تكمن في جهل عدد من مدراء المدراس والمدرّسين بواجباتهم". يضيف أنّ "أشكال العنف تتعدد، منها الضرب أو استخدام كلمات منافية للأخلاق أو غير ذلك". ويتابع أنّ "العنف المدرسي في العراق لم يعد عنفاً تقليدياً أو عنفاً من طرف واحد يمارسه المدرّسون في حق التلاميذ، بل بات عنفاً متبادلاً، سواء في المدارس الابتدائية أو الثانوية. وهو ما يشير إلى ثقافة عنيفة تنذر بعواقب وخيمة".

دلالات