سرطان غزّة... مرضى يعانون من الحصار والإهمال

26 اغسطس 2016
لا يكفيه حرمانه من طفولته وسط الحصار (محمد الحجار)
+ الخط -
في غزّة، تسجّل 900 إصابة جديدة بالسرطان سنوياً، كمعدّل. والمرضى لا يعانون من حالهم الصحية فحسب، فأوضاع القطاع المتردية تنعكس كذلك عليهم

لا ينقص فلسطينيّو غزّة إلا مرض السرطان لتكتمل مأساتهم. وسط الحصار الذي يخنقهم وما يخلّفه من أزمات اجتماعية واقتصادية وغيرها، يواجهون الموت. هو موت يُضاف إلى ذلك الذي ترتكبه صواريخ الاحتلال الإسرائيلي وقذائفه ورصاصه. والموت الذي يواجهون ليس ذلك الذي يأتي كنتيجة لمرضهم، بل على خلفية نقص في المعدات اللازمة لعلاجهم وكذلك الخبرات المناسبة في المستشفيات.

مذ بدأ الاحتلال حصاره على قطاع غزة عام 2006، راحت العناية الصحية تتراجع أكثر فأكثر، لا سيما تلك الخاصة بمرضى السرطان. هكذا، أصبح احتمال الموت أقرب إلى أكثرية هؤلاء، في وقت تشير البيانات إلى ارتفاع في نسب الإصابات.

والمعاناة في هذا الإطار ليست واحدة. إلى جانب معاناة المريض مع علاجه من كلّ النواحي، تعاني كذلك المؤسسات الراعية للمرضى عند التنسيق مع دوائر العلاج في الخارج بهدف منح المرضى الرعاية والبرامج العلاجية. وكثيراً ما تقع الخلافات بسبب الانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية المحتلة، الأمر الذي يؤثّر على مواعيد علاج المرضى في مستشفيات الخارج.

وفي ظل الخلاف السياسي، أفاد مصدر في وزارة الصحة في غزة فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ "العربي الجديد"، بأنّ "في كثير من الأحيان ندخل في خلافات نتيجة أعداد المرضى. ثمّة سوء إدارة واضح في ملفات علاج مرضى غزة في رام الله، وبعضها يؤخذ في إطار سياسي، وهذا أمر يزيد من مضاعفات المرض".

نقص في الكفاءات
يُعدّ "مجمّع الشفاء الطبي" في غزة أكثر المستشفيات تلبية لحاجات المرضى، لكنّ نسبة الرعاية فيه تغطي فقط 60 في المائة من الخدمات الصحية العلاجية والرعائية، في ظل نقص في عدد الأطباء البالغ عددهم أربعة اختصاصيين في الأورام وثلاثة في الدم. وهذا لا يسدّ حاجة آلاف المقبلين على المشفى من مرضى السرطان يومياً.

أمّا "مستشفى غزة الأوروبي" الذي يُعدّ ثاني أكبر مستشفى في القطاع يغطّي مصابي السرطان، فيعاني كذلك من عدم توفّر التصوير بالنظائر المشعّة (أو المسح الذرّي) لتحديد درجة انتشار المرض، بالإضافة إلى عدم توفّر العلاجات الكيماوية في معظم الأشهر. ويشير الطبيب المتخصص في الأورام وأمراض الدم في المستشفى هشام الجعيدي إلى أنّه "نتيجة الثقافة الخاطئة يشخّص مرض السرطان متأخراً في الغالب، في كل محافظات القطاع. وعند التشخيص، لا يأخذ المريض حقه في الرعاية، في ظل تدني مستوى الخدمات الصحية المقدّمة".

إهانة المريض
يعجز مرضى السرطان بنسبتهم الأكبر على تحمّل تكاليف العلاج. محمد إبراهيم على سبيل المثال، شُخّص لديه سرطان المريء في عام 2014. بدأت معاناته عندما مكث وقتاً طويلاً ينتظر السفر إلى مصر لتشخيص تدهور صحي أصابه، في أحد مستشفياتها، إذ لا إمكانية لذلك في مستشفيات غزة. في مصر، شخّصت حالته كـ"نقص في تغذية المخيخ". لكن عند العودة إلى غزة تفاقمت حالته ليُكتشف ورم عند أسفل المريء.

يقول إبراهيم لـ "العربي الجديد" إنّ "حالتي تسوء كلما أردت الخضوع لفحوصات في غزة. في بعض الأحيان، أنتظر شهرين للتمكّن من ذلك، إذ على قوائم الانتظار عدد هائل من المرضى". إلى ذلك، يلجأ إبراهيم إلى شراء بعض الأدوية من الصيدليات الخارجية، إذ لا تتوفّر في المستشفى. من هنا، رأى نفسه يلجأ إلى مؤسسات رعاية مرضى السرطان، للتخفيف من مصاريفه.

من جهتها، أصيبت جميلة (42 عاماً) في منتصف العام الماضي بسرطان الثدي، لكن اكتشاف المرض أتى متأخراً بعدما انتشر في جسدها. ازدادت حالتها سوءاً بعدما مُنعت مرّتين من اجتياز معبر بيت حانون لتلقي العلاج في مستشفيات الداخل الفلسطيني. يُذكر أنّه في المرّة الثالثة، سُمح لها بالدخول. تفاجأت عندما توجّهت إلى "مستشفى المطلع" في القدس المحتلة، بالعدد الهائل من مصابي السرطان، وقد اضطرت مرات عدة إلى انتظار دورها في المعاينة، جلوساً على الأرض.

تشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "الحالات في غزة بمعظمها، كانت تحوَّل إلى "مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية" و"مستشفى المطلع" في القدس. لكنّني صدمت لتدني الخدمة هناك، على الرغم من أنّنا كنا قد سمعنا الكثير عن جودتها". تضيف: "كأنّ وزارة الصحة في الضفة تتعمّد زج آلاف من أهل غزة فيها".

تجدر الإشارة إلى أنّ جميلة كانت قد رافقت قبل عام ابنة أختها المصابة بسرطان المخ، إلى المستشفى نفسه. وقد علمت من مرضى غزة المتوافدين بشكل مستمر، عن تعرّضهم للإهانة فيما عودة العديد منهم مرة أخرى غير مضمونة. وثمّة آخرون يتوفون وهم ينتظرون العودة لتلقي العلاج.

اللجوء إلى مؤسسات الرعاية
يلجأ الآلاف من مرضى السرطان إلى مؤسسات رعاية تُعنى بحالاتهم، بهدف التخفيف ولو جزئياً من معاناتهم. تُعدّ "مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان" واحدة من تلك المؤسسات، وهي خدماتية خيرية تساهم في خدمة المريض من تاريخ تشخيص المرض حتى الانتهاء من مرحلة العلاج. وللمؤسسة فرعان في القدس وغزة، وهي تركّز على مرضى القطاع وتقدّم خدماتها إلى أكثر من 2500 مريض بالسرطان من كل الفئات في غزة.

تجدر الإشارة إلى أنّ المؤسسة تعمل عبر برنامجين أساسيين للتخفيف من معاناة المرضى. الأول هو برنامج الدعم النفسي الذي يقدّم الدعم المطلوب لكل الفئات ويخصص للأطفال حفلات هدفها التفريغ النفسي، بالإضافة إلى مهرّج طبي يزورهم باستمرار. أمّا البرنامج الثاني، فهو برنامج الدعم المادي عن طريق تأمين مواصلات للمريض في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948 أو الضفة الغربية المحتلة، نتيجة عدم النظر في هذا الملف من قبل الحكومة.




70 في المائة فقراء
يوضح المتحدث الإعلامي باسم "مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان" محمد البردويل دوافع لجوء عدد من المرضى إليها وإلى مؤسسات أخرى، وهي أنّ "المريض لا يجد في الغالب سنداً حكومياً له في مرضه، وأنّ المرضى بمعظمهم من الطبقة الفقيرة. 70 في المائة من مرضى السرطان في قطاع غزة هم فقراء". ومعظم هؤلاء بحسب البردويل، من سكان المناطق الحدودية والمناطق الشرقية والمناطق التي دمّرت خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر خلال السنوات السبع الأخيرة. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "معاناة المريض تبدأ عند توجهه إلى الحصول على علاج واجتيازه المعبر، مع تفاصيل كثيرة. وهذا ما يساهم في مفاقمة المرض".

ويقول البردويل إنّ "وزارة الصحة لا توفّر مع التحويلة الطبيعة إلا الأدوية المتوفرة في مستشفياتها. بالتالي، يصبح المريض أسيراً لنوع معيّن من العلاجات. وفي حال وجد المطلوب في الصيدليات يكون باهظ الثمن ولا يستطيع المريض حتى دفع نصف ثمنه في الغالب".

ويرى البردويل أنّ "الخطورة الكبرى تكون عندما ترفض وزارة الصحة منح المريض تحويلة أخرى إلى المستشفى نفسه الذي يتابع فيها علاجه أساساً. فتلزمه مثلاً بمستشفى آخر في الضفة الغربية، ومن شأن ذلك أن يسبّب له مشكلة كبيرة، إذ تُعدّ مرحلة علاجية جديدة. وقد تسبّب ذلك بوفاة عدد كبير من المرضى". يضيف أنّ "ثمّة نخبة من الأطباء في مستشفيات الضفة، لا ننكر ذلك. لكن أن يُعالج مريض منذ البداية في مستشفى ما، وتقطع الطريق عليه وتنقله إلى مستشفى آخر، فهذا أمر خطر، لا سيما أنّ غزة تنقصها عشرات أنواع الأدوية المساعدة".

إلى ذلك، لحظت المؤسسة حالات لأطفال مرضى مُنع آباؤهم وأمهاتهم من مرافقتهم لتلقي العلاج في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948.

أرقام كبيرة
في الفترة الممتدة من عام 1995 إلى عام 2010، بلغ عدد مرضى السرطان في قطاع غزة عشرة آلاف و780 مريضاً، بحسب ما تفيد إحصاءات وزارة الصحة في غزة. لكنّ مصدراً إدارياً من "مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان" أكّد علمه من دائرة المعلومات في وزارة الصحة بأنّ عدد مرضى السرطان في غزة في الوقت الحاضر بلغ 15 ألف مريض في منتصف عام 2015 وهو رقم كارثي بالمقارنة مع السكان.

يمثّل الذكور نسبة 47 في المائة من مجمل المرضى، والإناث 53 في المائة منهم، أمّا المعدّل السنوي للحالات فهو 900 حالة جديدة مصابة بالسرطان سنوياً في القطاع. ويُعدّ سرطان الثدي الأعلى نسبة بين مصابي القطاع مع 16.5 في المائة من مجمل أنواع السرطان. وهو الأوّل لدى النساء. أمّا سرطان الرئة، فيلي سرطان الثدي، مع 9.7 في المائة من مجمل أنواع السرطان. وهو النوع الأوّل لدى الرجال.

كذلك، يُعدّ مرض السرطان السبب الثاني للوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، بنسبة تصل إلى 11.8 في المائة من مجمل وفيات الأمراض في قطاع غزة، وبمعدّل 36.5 وفاة لكلّ 100 ألف نسمة.

المساهمون