يمنيو السعودية... إجراءات حكومية طاردة رغم تأييدهم "الشرعية"

17 سبتمبر 2018
معظم اليمنيين هم من العمال البسطاء(فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

لا يقتصر التضييق على اليمنيين في السعودية على مجال من المجالات بالرغم من أنّهم من مؤيدي الشرعية، إذ بعد منع أطفالهم من التعليم ارتفعت رسوم الإقامة، ودُفعوا خارج وظائفهم، فاضطروا للعودة


بينما تبادل مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، التهاني بمناسبة العام الهجري الجديد، تبادل المغتربون في السعودية التحذيرات والمواساة بدخول قرار سعودة/ توطين أربعة قطاعات من أصل 12 قطاعاً تجاريا قيد التنفيذ مع أول يوم من العام الهجري الجديد. ولم تقتصر الإجراءات السعودية الأخيرة، على المغتربين بصفتهم عمالاً فيها، بل تجاوزتهم إلى شريحة الزائرين من اليمنيين والسوريين الذين تأخذ طبيعة إقامتهم فيها طابع اللجوء، وليس طابع البحث عن فرصة عمل.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ظهر الطفلان اليمنيان، أمجد ومجدي التركي، المولودان في السعودية على "يوتيوب" في مقطع قصير، مكثف، ومؤلم، وهما يودعان زملاءهما في مدرسة الإمام السيوطي بالسعودية، التي لم يعودا قادرين على زيارتها كتلاميذ بعد ذلك التاريخ بسبب سياسات الرياض التي حصرت حق الالتحاق بالتعليم الحكومي على المواطن السعودي.
تكرر المشهد بشكل مختلف، مطلع هذا العام الدراسي، فقبل أيام قليلة، كتب المغترب اليمني، هشام الأهدل، على "فيسبوك": "في أول يوم دراسي أعيدت ابنتاي من المدرسة... كسرتني دموعهما". انتشر منشوره المرفق بصورة لطفلتيه العائدتين من تجربة الرفض من دون أن تخلعا زيهما المدرسي، على أوسع نطاق. رفضت المدرسة قبولهما لصدور تعميم وزاري بعدم قبول "التلميذات السوريات واليمنيات الآتيات مع أولياء أمورهنّ بتأشيرة زيارة، أو تأشيرات حكومية". وهكذا فإنّ القرار يحدد الجنسيتين اليمنية والسورية، من دون سائر الجنسيات، ما يوحي أنّ له دلالات سياسية أكثر من كونها إجراءات تنظيمية.



تضييق
تراجعت السعودية عن التزامها الأخلاقي باستيعاب التلاميذ اليمنيين الذين نزحوا مع أسرهم إليها نتيجة الحرب، إذ أصدرت سلطاتها قرارا عام 2015 قراراً بقبول جميع التلاميذ اليمنيين الذين يحملون تأشيرات الزيارة، بسبب الحرب التي تعيشها البلاد، لكنّها تراجعت عن القرار، بينما ما زالت مستمرة في الحرب الدائرة في اليمن حتى اللحظة. بدا الأمر كأنّه استهداف لمناصري الرئيس عبد ربه منصور هادي، وحكومته الشرعية، ممن فروا إلى السعودية خلال العام 2015.

لم تنجح الحملة الإلكترونية التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "من حقي أن أتعلم" في ثني الحكومة السعودية عن قرارها بمنع اليمنيين الذين يحملون هويات "زائر" أو "حكومية" من تعليم أبنائهم في مدارس المملكة، بينما تمثل عودتهم إلى اليمن مخاطرة كبيرة باعتبار هذه الشريحة قد دخلت إلى السعودية لأسباب سياسية وليست اقتصادية، وقد سجلت مواقف مؤيدة للتحالف الذي تقوده السعودية نفسها.

مثلت تلك السياسات السعودية ضغطاً وحرجاً كبيراً على هادي وحكومته بفشلهم في استثناء مواطنيهم المقيمين بالسعودية من أيّ إجراءات شملتها قرارات التوطين والرسوم، إذ إنّ رسوم الإقامة الباهظة التي فرضتها السعودية على المقيمين داخل أراضيها بمتوسط 100 دولار أميركي شهرياً للفرد الواحد، لم تستثنِ مواطني البلدان التي تعيش حالة صراع مسلح، خصوصاً اليمن، وهو مبلغ يتجاوز قدرة المقيمين البسطاء، لا سيما أنّ هذه الرسوم تدفع دفعة واحدة مرة كلّ عام، من دون السماح بتقسيطها للتسهيل عليهم.

وعلى الرغم من أنّ السعودية لم توقع على الاتفاقية الأممية لحماية اللاجئين الصادرة منتصف القرن الماضي، فإنّ طبيعة بقاء المناصرين لشرعية هادي والتحالف العسكري بقيادة السعودية، يأخذ في الوظيفة والمضمون، طابع اللجوء، وبهذا يكون تعليم أبناء هذه الفئة في المدارس الحكومية مكفولاً وفق القانون الدولي الإنساني بحسب قانونيين. وهو قبل ذلك وبعده التزام إنساني وأيضاً التزام رسمي قدمته المملكة لمن منحتهم تأشيرات زيارة لدخول أراضيها بسبب الحرب.




مجبرون
في ما يتعلق بالعمال اليمنيين، يبدو من المفارقة أنّ برنامج "نطاقات" الهادف إلى توطين قطاعات العمل في المملكة بدأ عام 2011، أي بالتزامن مع انتفاضة الشباب في اليمن، وبلغ ذروة التطبيق مع مقدمات انزلاق اليمن إلى الحرب عامي 2013 و2014. هو اليوم يدخل مرحلة جديدة مع وصول أغلب سكان اليمن إلى حافة المجاعة أيضاً، وتعرض أغلب المغتربين اليمنيين لخطر الترحيل نتيجة سعودة مجالات عملهم، لكنّه تجاوز مسألة توطين المهن، إلى فرض الرسوم الباهظة على المقيمين. هناك ملايين المغتربين في السعودية من مختلف الجنسيات، ويمثل اليمنيون نسبة كبيرة منهم، لكنّهم تحديداً الأكثر تضرراً من سياسات التوطين لأنّها تشمل أغلب قطاعات العمل التي تكاد تكون محصورة بهم، باعتبارها من القطاعات التي لا تتطلب مهارات مرتفعة، كالعمل في المحلات التجارية كبائعين، خصوصاً أنّهم أقرب إلى السعوديين في اللغة والعادات، على عكس العمال الجنوب والشرق آسيويين ممن ليس في إمكانهم شغل تلك المهن التي تتعامل مباشرة مع المواطن السعودي.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية بأعداد من جرى ترحيلهم خلال مراحل التوطين المتوالية إلا أنّ هناك أرقاماً تشير إلى خروج نحو 46 ألف يمني بشكل نهائي في ديسمبر/ كانون الأول 2017، ويناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، 2018، واستمر خروج المغتربين اليمنيين على مدار العام من دون توافر إحصاءات رسمية بأعدادهم، ويمكن أن يتضاعف هذا الرقم مع المرحلة الجديدة التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي 11 سبتمبر/ أيلول الجاري.



في هذا الإطار، يقول محمد الذي عاد إلى اليمن من الرياض، الثلاثاء بالذات، إنّ أكثر من ثلثي أفراد الحافلة التي عاد على متنها كانوا من النساء والأطفال، ممن غادروا بتأشيرة خروج نهائي من الأراضي السعودية، ليس لأنّ قطاعات السيارات والدراجات النارية، والأواني المنزلية، والأثاث المنزلي والمكتبي الجاهز، والملابس الجاهزة وملابس الأطفال والمستلزمات الرجالية، التي شملها القرار قد دخلت مرحلة التنفيذ فقط، بل لأنّ رسوم الإقامة التي شملت المرافقين من الأبناء شكلت الدافع الأول. مدير الشركة التي يعمل فيها محمد، دفع مبلغاً يعادل 9 آلاف دولار أميركي لتجديد إقامته وإقامة أفراد أسرته لمدة عام واحد، لكنّ الموظفين لا يمكنهم دفع مبلغ كهذا، كونه أكبر من راتب أحدهم خلال كلّ شهور العام.

بين باصين
هناك من أمضى عمره كاملاً في السعودية، ولم يعرف اليمن إطلاقاً، لكنّ القرار الأخير أدى إلى مغادرته المملكة أخيراً من دون أيّ اعتبار لعقود عمره المهدرة فيها. يقول، عبد المجيد محسن، لـ"العربي الجديد": "المملكة لم تعد تلك التي عرفناها وعشنا فيها لعقود، انظر كمثال فقط إلى إحصاءات الطلاق التي تجاوزت 46 ألف حالة منذ بداية هذا العام فقط، إنّهم يتنكرون لكلّ شيء بطريقة غير مسبوقة. غادرت مع أطفالي الذين ولدوا وعاشوا بالمملكة، لأنّي كنت أدفع ما أكسبه في الغربة لأكلهم وعلاجهم وتعليمهم فليست لديّ أسرة في اليمن تنتظر حوالتي الشهرية كالآخرين، بل بات يتوجب عليّ دفع كلّ ما أحصل عليه من دخل كرسوم لإقامتهم، فمن أين سيأكلون ويشربون ويتلقون العلاج إذاً!؟". يضيف: "اليمن مصير كلّ يمني اليوم أو غداً، وإن دمرته الحرب، وأفقدت أهله مصادر دخلهم أيضاً. هي لعنة مركّبة حلّت علينا كيمنيين".




بدوره، يقول سليم عبد الواسع، إنّ مستوى الدخل تراجع كثيراً، ورسوم الإقامة ارتفعت أكثر: "منطقة البطحاء بالرياض التي كنت أعمل فيها، لم يكن بإمكانك المرور في شوارعها سابقاً وأنت تحمل غرضاً ثقيلاً لشدة الزحام، إذ كانت منطقة تجارية شهيرة، أما اليوم فقد أصبح بإمكانك المرور بسيارتك في تلك الشوارع، وإحصاء أعداد المتسوقين بالعين المجردة". يتابع: "لذلك، عدت لفتح محل تجاري في صنعاء. رسوم إقامة أبنائي هناك تكفي هنا لنفقاتهم طوال العام. سأتعرف ببلدي الذي كنت أزوره كسائح بين فترة وأخرى".

يلخص سعيد حامد وضع المغترب اليمني من خلال تجربته بالذات، فيقول: "قبل سبع سنوات بعت الباص الذي أملكه في اليمن لأتمكن من السفر إلى السعودية، واليوم رجعت إلى اليمن واشتريت باصاً آخر وعدت إلى عملي القديم... سبع سنوات مثلت مشواراً ضائعاً بين باصين".