إصلاح اللجوء... طرح ألماني بديل عن اتفاقية دبلن

20 نوفمبر 2019
درب الوصول الصعب (نيكولاس كوتسوكوستاس/ Getty)
+ الخط -

عقد اجتماع أوروبي كبير في ألمانيا لإصلاح سياسة اللجوء، نتيجة القناعة بفشل اتفاقية دبلن التي ننص على أن تكون الدولة الأوروبية التي يدخل إليها المهاجر للمرة الأولى مسؤولة عن تسجيله وإجراءات لجوئه.

ما زال الضغط الدولي على ألمانيا مرتفعاً بالرغم من تباطؤ حركة الهجرة إليها ما دفع وزير الداخلية الاتحادي الألماني هورست زيهوفر، أخيراً إلى عقد اجتماع في مدينة ميونخ، ضم وزراء داخلية ستّ دول أوروبية لتقديم ما لديه من طروحات لنظام اللجوء. حضر الاجتماع بالإضافة إلى ممثلي ألمانيا، ممثلو كلٍّ من المملكة المتحدة وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وفرنسا، أي الدول الست الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الاتحاد الأوروبي، وذلك لإقناع حلفائه بخطة لإصلاح نظام اللجوء الأوروبي، بعدما لاقت مبادرته تأييداً على المستوى الداخلي من الأحزاب الألمانية، ومن بينها الاشتراكي الديمقراطي.

وتنصّ فلسفة الوزير زيهوفر الجديدة حيال سياسة اللجوء أن تتم إجراءات فحص الطلبات عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما قضى المقترح أيضاً بأن تحصل عملية ترحيل اللاجئين بموجب توجيه أوروبي عبر وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس". لكن، قبل ذلك ولجعل الخطة حقيقية، فهي تحتاج إلى اتفاقيات إعادة قبول صالحة مع البلدان الأصلية للمهاجرين، وهو ما لم يعارضه الوزراء الأوروبيون، بالرغم من الحديث أنّ هناك اتفاقاً على أنّ سياسة اللجوء لا يمكن تنظيمها بطريقة عقلانية في أوروبا. لكنّ المتحدث باسم سياسة الهجرة داخل الحزب الاشتراكي، لارس كاشتيلوتشي، شدد على أهمية أن يقدم زيهوفر ويعتمد العمليات والنماذج الأولى لهذا الطرح للفوز بالشركاء الأوروبيين، مع العلم أنّ ما حتم هذا الخيار هو أنّ معظم الدول الأوروبية الأخرى، وفي طليعتها الدول التي تعاني من أعباء ثقيلة من اللاجئين كإسبانيا وإيطاليا واليونان، لا تجيب على الرسائل التي تتلقاها بخصوص إعادة التوطين.

بالرغم من اعتراف زيهوفر أنّه ما زال هناك كثير من الأفكار التي تحتاج إلى التوضيح قبل تنفيذ رغباته، برزت العديد من التساؤلات حول هذا الطرح. والنقطة الأولى الشائكة في فكرة الإصلاح الجديدة، هي كيف ينبغي على المفوضية الأوروبية أن تحقق تقريباً ما فشلت فيه فشلاً ذريعاً لسنوات. كذلك، فإنّ أيّ خطة لإصلاح نظام اللجوء المختل وظيفياً تكون معيبة ما لم يكن من الواضح كيف ستتوقف رحلات الهجرة غير المشروعة.



إلى ذلك، يطرح سؤال هو: ماذا سيحدث إذا استقبلت ألمانيا نحو 25 في المائة من جميع اللاجئين الذين يجري إنقاذهم من البحر عبر الشواطئ اليونانية والإيطالية وأماكن أخرى، وفق ما تعهدت أخيراً، خصوصاً أنّها ما زالت تسمح في الوقت نفسه للاجئين الآخرين أو طالبي اللجوء المرفوضين بالدخول بصورة غير قانونية من هناك أو من دول أخرى. والسيناريو الذي يهدد ألمانيا أنّها ستتحمل بعد ذلك لاجئي الحصص "القانونيين" والمهاجرين غير الشرعيين كما كان من قبل.

أما السؤال الثاني فهو: من هي الجهة التي يمكن أن تؤمّن الحماية القانونية لهؤلاء المهاجرين، وهم الذين يعارضون فكرة رفض لجوئهم. وتتمثل النقطة الثالثة في كيفية التضامن المرن من قبل بعض الدول لضمان النجاح، أي أن تستقبل الدولة مثلاً عدداً معيناً من اللاجئين، أو تقدم لهم المال، أو توفر الموظفين المرتبطين بعملية تسيير شؤون المهاجرين وطالبي اللجوء. كذلك، فإنّ غياب الاتفاق قد يجعل هذا الأمر غير قابل للتنفيذ قبل سنوات طويلة. يضاف إلى ذلك كله، عدم رغبة العديد من الدول الأوروبية بالمشاركة في آلية توزيع المهاجرين مثل بولندا والمجر. والأخيرة عارضت حصص القبول، وهي التي لم تقدم أي تعهد عام 2017 بهذا الخصوص، حتى أنّ لديها استراتيجية سيئة لمعاملة هؤلاء الناس، إلى درجة يكاد يمكن القول فيها إنّ لا أحد يرغب في طلب اللجوء في بودابست مثلاً، وبالتالي فهي كما باقي الدول التي خرجت فعلياً من نظام دبلن، وهذا تأثير وصفه خبير الهجرة جيرالد كناوس، بـ"المنحرف" .




وفي ظل الحديث أنّ موظفي وكالة "فرونتكس" ستتولى عمليات الترحيل ومرافقة المرحلين إلى بلدانهم، وهي التي أثبتت فشلها قبل ذلك، إذ لا يمكن إثبات هوية المتضررين بغياب التعاون من قبل دولهم، يطرح السؤال عن الجهة التي ستهتم بهم. وهي أسئلة تفصيلية لا بد من إيجاد الإجابات عنها، بالإضافة إلى كيفية تأمين العديد اللازم من الموظفين في ظل النقص الحالي، علماً أنّ من المرجح أن يصل عددهم وفق الخطة الموضوعة إلى 10 آلاف موظف بحدود عام 2027. أما إذا جرى الاتفاق على أن تقدم جميع الطلبات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيبقى خلق المعايير الموحدة أمراً صعباً، لأنّ كلّ دولة، وأهمها الواقعة على الحدود الخارجية، ستقدم، من دون شكّ، سيادتها الوطنية على ما عداها، وترفض التدخل من قبل أي طرف فيها، كما أنّ معدلات الاعتراف باللجوء تختلف بشكل كبير بين دولة وأخرى. وبالإضافة إلى المعايير الموحدة لصنع القرار سيكون من الضروري أيضاً وجود سلطة لجوء مشتركة على الحدود الخارجية ، تستتبع بإعطائها سلطة تنفيذية وفق ما ذكر الباحث مارتين كلينكست، لصحيفة "دي تسايت".

اعتبر الخبير في قانون اللجوء بجامعة "كونستانس" دانييل ثيم، في حديث مع "دي فيلت" أنّ من شأن التنظيم الأوروبي أن يفيد، ليس فقط البلدان المستقبلة الأولى، لكن أيضاً ألمانيا على وجه الخصوص. وأوضح قائلاً: "إذا جرى استبدال قواعد الاختصاص المعمول بها، فلن تعود برلين مضطرة لتولي جميع إجراءات اللجوء إذا واصل الوافدون هجرتهم غير الخاضعة للرقابة، ويمكن أن تكون تلك المقترحات خطوة نحو استعادة السيطرة على سياسة الهجرة. في المقابل، شكّك هان بيرينز، من معهد سياسة الهجرة في بروكسل، بالمقترح من منطلق أنّ قادة الاتحاد الأوروبي اتفقوا العام الماضي على إنشاء "مراكز خاضعة للرقابة " لفحص احتياجات الحماية قبل توزيع المهاجرين على أساس طوعي في الاتحاد الأوروبي، ولم تقم حتى الآن أيّ دولة بإنشاء مثل هذه المراكز. ولفت إلى أن هناك كثيراً من الحالات المعقدة، إذ لا يمكن البت فيها في غضون أسابيع، ومنها ما يتعلق بالمهاجرين الوافدين من دول آمنة، فعندما يدعي هؤلاء أنّهم يعانون من الاضطهاد مثلاً، لا يمكن إثبات ادعائهم بسهولة.



بالنسبىة إلى الباحث كلينكست فإنّ نظام اتفاقية دبلن ولد معطلاً، لأنّه لا يتضمن آلية توزيع طالبي اللجوء المعترف بهم، وهذا يعني أنّ الأعباء بقيت بالكامل على كاهل الدول التي يصل إليها المهاجرون، تحديداً تلك الخاصة بالقرارات والإجراءات المتعلقة بهم من الرفض والقبول والترحيل وغيرها، وهو أمر غير عادل وهي لم تحتجّ ولم يرَ أحد مشكلة في نقص توزيعهم، لأنّ الأعداد في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لم تكن كبيرة إلى هذا الحدّ، ولم يكن أحد يتوقع أن يصل في غضون أشهر قليلة، إلى أوروبا الملايين من اللاجئين كما حصل عام 2015.

اليوم، كلّ شيء تغير بشكل مفاجئ، كما أنّ معظم أولئك الذين يهاجرون بشكل غير قانوني، لا يجري ترحيلهم إلى الدولة ذات الصلة عملاً باتفاقية دبلن، أي فعلياً تلك الدول الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، على غرار اليونان التي رفضت عام 2018 نحو 97 في المائة من جميع طلبات الاسترداد التي تقدمت بها ألمانيا، والحجة بالنسبة لأثينا كانت تستند دائماً، بحسب ما أوضحت "تاغس شبيغل" إلى أنّها لا تملك إمكانية إسكان المهاجرين، كما أنّ لديها بالفعل شكوكاً حول ما إذا كانوا دخلوا إلى اليونان في الأساس، بل على العكس كانت تريد التخلص من أعداد معينة من المهاجرين على أرضها، وتطالب ألمانيا باستقبالهم.




كلّ هذا يضاف إلى الاستراتيجيات المتبعة لجعل طلبات اللجوء أكثر صعوبة، ومن بينها البيروقراطية المعقدة المتبعة، من السجن إلى الترحيل وتقليل فرصة نجاح طالب اللجوء، وإعطاء الانطباع بالانتقائية الشديدة، والهدف من ذلك إفهام من لا يستوفي معايير القبول للهجرة من المهاجرين، بعدم المغامرة برحلته. هنا يمكن القول إنّ وصول عدد كبير منهم إلى ألمانيا يدلّ على مدى قوة "الهجرة الثانوية" وهي ظاهرة تكشف أنّ المهاجرين الذين يصلون إلى الدول الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط لا يبقون فيها بأيّ حال من الأحوال.
المساهمون