نساء الحارة

16 يوليو 2015
سعى المسلسل إلى تصوير النساء بشكل نمطي (العربي الجديد)
+ الخط -

لو كان أبي ما زال على قيد الحياة، لأحبّ مسلسل باب الحارة. كان يملك قمبازاً (اللباس الشامي التقليدي)، ولطالما افتخر به. أعتقد أنه كان أمبراطوراً أو سلطاناً عثمانياً في حياته السابقة. لم يكمل سرد قصة حياته السابقة أبداً. كنّا نعلم أن الجزء الذي يحذفه هو فانتازم "امتلاك" مجموعة نساء من حوله أي "حريم". مات أبي قبل بدء مسلسل باب الحارة بثلاث سنوات.

جاء المسلسل ليصوّر حقبة من التاريخ تبعدُ خمسة وثمانين عاماً عنّا. حقبة صوّر فيها الكاتب والمخرج ديناميات الأسر والحياة اليومية في إحدى حواري الشام. قد يحمل المسلسل بأجزائه السبع على مدى تسع سنوات كثيراً من القصص والرسائل حول الحب والحرب والثورة والعائلة وتنظيم شؤونها والمجتمع وغيرها. لن نناقش هنا جوانب المسلسل كافة، بل سنسلّط الضوء على صورة النساء والرجال في تلك الحقبة، والتماهي الحالي للنساء والرجال مع بعض هذه الصور.

سعى المسلسل إلى تصوير النساء بشكل نمطي. هن "حريم" غير مرئيات بالنسبة للمجتمع. أبرز همومهن الطبخ والاهتمام بتنظيم المنزل والنميمة والكيدية. والأهم، إظهار الطاعة القصوى للأب والزوج. قد تكون هذه نماذج موجودة في تلك الحقبة، لكن هل كن يمثلن غالبية النساء؟ ألم يكن هناك نماذج أخرى يجدر بالأجزاء السبعة الإضاءة عليها؟ ما الفرق؟ هذه المسلسلات تُعرض للتسلية. وهل نجرؤ على انتقاد ذكورية باب الحارة من دون أن نوصَّف بـ"النكدات"؟ يتماهي الرجال مع صورة الرجل ذي الشوارب المفتولة الذي يحمل سلاحاً، و"يمتلك" أكثر من زوجتين. وتنجذب بعض النساء اليوم إلى هذا النموذج من "الذكور".

ربّما لم يكن المسلسل ليجذب نحو 50 مليون مشاهد وأكثر لو سلّط الضوء على حقيقة الوضع في ذلك الوقت بعيداً عن المغالاة في تضخيم تبعية النساء. عام 1919، عمد بعض النواب إلى الدفع باتجاه إقرار قانون لحصول النساء على حقوقهن السياسية، ولا سيما الحق في الانتخاب. لا يخدم المسلسل إبراز نساء مثل نازك العبد ربما، التي انضمت إلى الجيش السوري لمواجهة الاحتلال الفرنسي، ونظّمت مع مجموعة من النساء تظاهرات للدفاع عن حق النساء بعدم ارتداء الحجاب.

المسلسل، بذكوريّته، دغدغ "الفانتازم" لدى بعض الرجال والنساء. هناكَ من يرغب بالعودة إلى ذلك العصر الذهبي ويرى أن حلّ مشاكلنا الحالية يكمن في العودة إلى زمن باب الحارة. ما كانَ أبي يفكر فيه ويستحي مشاركته، بات أمراً عادياً ومتداولاً ومقبولاً عبر ثقافة كرّسها المسلسل، قد نحتاج إلى سنوات بقدر ما يفصلنا عن حقبته لتغييرها.

اقرأ أيضاً: وجوه العبودية الجديدة
المساهمون