حين يصوم الأطفال في حرّ رمضان

19 يونيو 2016
في انتظار السجود حين يكبر قليلاً (حسين بيضون)
+ الخط -

في الفصل، لا تتوقف المدرّسة سحر عبدالله (26 عاماً) عن تعداد فوائد الصيام لتلاميذ الصف السادس الأساسي. تقول للصبيان من بينهم إنّ عليهم أن يعتادوا على الصيام، منذ اليوم، كي يكونوا قادرين على إتمام واجباتهم الدينية حال تكليفهم الشرعي، أي بلوغهم سن الرشد (نحو 14 عاماً). لكنّها في الوقت عينه لا تمنح الفتيات وهن في الحادية عشرة والثانية عشرة، مثل هذا الخيار، أي الصيام من أجل التدريب. فهؤلاء "مكلفات" منذ التاسعة، والواجب صيامهن برأيها.

لا تجادل مدرّسة الدين كثيراً في الأمر، فهي "مسألة شرعية" لا مجال لأيّ جدال فيها. لكنّها تؤكد أنّها تنصح الفتيات اللواتي لا يتمكنّ من الصيام، خصوصاً مع الامتحانات التي وصلن إليها للتوّ، بعدم الالتزام الكامل بكلّ أيام شهر رمضان، وتجاوز بعض أيامه، لكن "بشرط قضاء ما لا يصمنه لاحقاً، ربما في الشتاء عندما يصبح النهار أقصر".

في الوقت عينه، لا يعتبر الأطفال أنفسهم أطفالاً على الإطلاق. هم يعدّون أنفسهم كباراً في مثل هذا العمر أكانوا فتية أم فتيات. مثلاً، يتباهى حسين (12 عاماً) بأنّه صام رمضان الماضي كاملاً، وكان كذلك يساعد والدته في تجهيز مائدة الإفطار. وهو ما يفعله هذا العام أيضاً على الرغم من امتحانات نهاية العام.

مثله ليال (12 عاماً) التي تجد من الغريب جداً أن لا تفطر في أيام رمضان مهما كان الحرّ قاسياً والنهار طويلاً. هي تعتبر نفسها مكلفة دينياً وهذا هو الأساس على الرغم من الصعوبات. لكنّها، مع ذلك، تؤكد أنّها تتعب خصوصاً في فترة بعد الظهر التي تنام فيها أكثر من ساعتين يومياً.

فاطمة (10 سنوات) تعتمد طريقة مختلفة جداً للصيام. أولاً تؤكد أنّها تحب أن تصوم لكنّها تعترف بعدم تمكنها من إتمام النهار. لذلك، فإنّها تصوم حتى منتصف النهار دائماً، وهو ما علّمها إياه والدها. وفي منتصف النهار، تشرب الماء وتأكل لوح شوكولاتة في المدرسة. ثم تتناول الغداء في المنزل عند الثالثة. ومن بعدها تبقى "صائمة" حتى موعد أذان المغرب: "عندها أفطر مع أبي وأمي".

يجد الأطفال في الصيام، أحياناً، كثيراً من التسلية. مع أنّهم يتباهون به، يسأل أحدهم الآخر دائماً إن كان صائماً، والإثبات الدائم هو مدّ اللسان على طوله، وظهوره أبيض اللون. ومن الألاعيب أيضاً، ما قام به زياد مع صديقه أحمد. فقد اتفق معه على لعبة أن يشرب كلّ منهما قليلاً من الماء. وعندما شرب أحمد، خدعه زياد وقال له: "أنت أفطرت وأنا سأبقى صائماً". لكنّ كميل (14 عاماً) وهو يلعب كرة القدم صائماً، يستغل فكرة المضمضة، لكي يبتلع بضع قطرات من المياه، أو أكثر من ذلك أحياناً.

في المقابل، يمنع كامل السعيد (45 عاماً) طفليه نبيل (12 عاماً) ومحمود (11 عاماً) من الصيام. يقول: "والدتهما تريدهما أن يصوما كما كانت تصوم مع إخوتها في الطفولة.. وتتهمني أنّني أريدهما أن ينشآ مثلي لا يصومان". يحتج: "لكنني لا أمانع أبداً أن يصوما حين يكبران".




الأهل الذين يرغمون أولادهم على الصيام، عادة ما تكون أسبابهم دينية. أما الآخرون الذين لا يفرضون على أولادهم أيّ صيام في انتظار أن يكبروا ويقرروا وحدهم، فتبريرهم الخوف على صحة أطفالهم، خصوصاً في هذه الأجواء الحارة وساعات الصيام التي تصل إلى ست عشرة ساعة. فما رأي الطب؟

يقول طبيب العائلة الدكتور سني حليس إنّ خطورة الصيام الأكبر هي على الأطفال ما دون الثماني سنوات، خصوصاً مع الخوف عليهم من عدم الشرب الذي قد يؤدي إلى التجفاف، مع الفترة النهارية الطويلة لرمضان هذا العام. كذلك فإنّ الانقطاع عن الأكل يؤثّر على نمو الطفل، ومثله الارتباك في النوم. وهذا ينسحب على الجنسَين.

مع ذلك، لا يمانع حليس صيام من هم في الثالثة عشرة مثلاً، إذا كان ذلك تابعاً لتكليف ديني أو تعويد على الصيام لا مهرب منه. لكنّه، مع ذلك يشترط ثلاثة أمور أساسية تتعلق بصحة الطفل من مختلف النواحي.

أوّلها، أن ينال الطفل عند الإفطار الأكل الصحي المناسب. يشير في هذا الإطار، إلى أنّ المنتشر هو تناول الدهنيات والحلويات في معظم الأحيان عند الإفطار وبعده. وهو ما لا يؤمّن التغذية المطلوبة بل السمنة والبدانة غير الصحية. ويوضح أنّ الغذاء الصحي يعني تناول الطفل الكمية اليومية الكافية من الماء والبروتين والحديد والكالسيوم وغيرها من العناصر الأساسية للنمو الجسدي والذهني.

ثاني الشروط، نيل القسط الوافي من النوم. وهو أمر أساسي للنموّ أيضاً. يشير حليس هنا إلى ارتباك كبير في النوم ينال الأطفال خلال شهر رمضان، خصوصاً مع المسلسلات التي تعرضها التلفزيونات في السهرات، وكذلك مع الجلسات العائلية التي قد تمتد إلى ساعات متأخرة.

أما ثالث الشروط، فهو إبعاد الطفل، خصوصاً إذا كان صائماً نهاراً، عن التدخين السلبي بعد الإفطار. من المعروف أنّ تلك السهرات المذكورة تشهد تدخيناً للنراجيل عادة، وهو ما يضرّ بصحة الطفل. حتى أنّ بعض الأطفال أنفسهم ممن هم في الرابعة عشرة مثلاً يدخنون النرجيلة، وهو أسوأ بدوره على صحتهم، بحسب حليس.