هكذا تعود الطيور بالنفع على بيئتنا

16 اغسطس 2019
طائر السنونو (علي إحسان أوزتورك/ الأناضول)
+ الخط -
هناك وسائل تعود بها الطيور بالنفع على بيئتنا. في نطاق "خدمات النظام البيئي"، فإن العديد من الطرق التي تدعم بها الطيور (وغيرها من الحيوانات والنباتات والمناظر الطبيعية) الإنسان وتحسن حياته، تكمن في مكافحة الآفات، الحفاظ على الصحة العامة، نثر البذور ونشرها، السياحة البيئية، والرصد البيئي. إلا أن هنالك طرقاً عديدة تستحق أن يذكر بعضها. أظهرت الدراسات أن قضاء الوقت في الطبيعة يحسن كلاً من الإدراك والصحة العقلية. يقول كيمبرلي كوفمان، المدير التنفيذي لمرصد بلاك سواب بيرد في أوهايو: "مراقبة الطيور هي البوابة إلى الطبيعة"، إذ تجعل الناس يخرجون إلى الطبيعة بعيداً عن الكمبيوتر وبعيداً عن التلفزيون.

مراقبة الطيور تعرضنا إلى الهواء النقي وترفع من معنوياتنا وتعد نوعاً من العلاج البيئي. ومن خدمات الطيور أن أنواعاً منها تأكل الحيوانات الميتة على الطرقات وفي الطبيعة. مع ذلك، لا يعرف أحد ما سيكون عليه الأمر إذا لم تكن النسور موجودة لتنظيف جزء كبير منها. وقد يكون غريباً على البعض أن هناك نوعاً مهدداً بالانقراض من أنواع النسور، ويسمى بالنسر الملتحي، يقوم فقط بابتلاع العظام المتبقية من الجثث، كالعظام التي نسميها باللغة الدارجة القوادم أو المقادم.

من جهة أخرى، نجد أن أنواعاً من الطيور مغرمة بأكل البرغش أو الناموس. في عام 1914، أعلن مفوض الصحة في ولاية بنسلفانيا أن "البطة هي واحدة من أعظم أعداء البعوض المعروفين، وبالتالي الحمى الصفراء والملاريا"، وذلك بعد إجراء تجربة شملت بركتين، واحدة مليئة بالبط الخضيري والأخرى بالسمكة الذهبية. واكتشف أن البط أكل يرقات البعوض "بشراسة" أكثر بكثير من الأسماك. وفي مدينة الميناء، شمال لبنان، قمنا بوضع أعشاش للسنونو على شرفات شقق البنايات، مصنوعة من قشور جوز الهند القاسية وفي بعض الأحيان من ثلاثة أرباع جرن مدقة الثوم. وكانت النتيجة أن طائر السنونو تبنى هذه الأعشاش واستكمل بنائها على طريقته. أما النتيجة الأقوى، فتمثلت بخلو شبه كامل للمناطق التي عشش بها السنونو من البعوض.

في الجبال اللبنانية، خصوصاً في منطقة تنورين، انتشرت حشرات تأكل يباس أشجار الأرز المعمرة وتسمى سفالسيا، كما انتشرت يرقات دودة الصندل التي تأكل أشجار الصنوبر وتؤدي إلى يباسها في كل لبنان. وخلال العام الجاري، انتشرت يرقات السنديان التي تقضي على أشجار البلوط والسنديان في منطقة الشوف. لكل هذه الآفات عصافير تتغذى عليها، مثل الكوكو (القيقب) وسن المنجل والحسون والصفراية، إلخ. وما كان انتشار هذه الحشرات ليحدث سوى لسبب أن الصيد الجائر قد أتى على هذه العصافير وأنقص أعدادها بشكل كبير.



في الجبال أيضاً هناك أشجار الصنوبر التي تنمو على السفوح فتمسك التربة والمياه وتمنع انجراف التربة. أما ما يجب الالتفات إليه فهو أن هذه الأشجار تنتشر على السفوح بواسطة الطائر المسمى كاسر البندق، والذي يسحق البذور بمنقاره القوي ويأكل ما في داخلها أو يخزنها داخل حلقه، ثم يدفن البذور غير المأكولة في الأماكن التي يكون فيها النمو أفضل. غالباً ما يكون التلقيح في معظمه بواسطة النحل والفراشات. لكن ما لا يعرفه كثيرون أن هناك أكثر من 900 نوع من الطيور التي تقوم بعملية تلقيح ثلث أعداد النباتات في العالم. في جميع أنحاء العالم أيضاً، تعتمد بعض أنواع الفاكهة البرية في تكاثرها على التلقيح بواسطة الطيور. ويقال إن أفضل أنواع الفاكهة هي تلك التي تلقحها الطيور، مثل زهرة الكناري الجرسية التي تنمو في جزر الكناري الإسبانية والتي تطرح ثماراً صالحة للأكل ولذيذة الطعم.

وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الطيور تمتلك مهارات جعلتها مفيدة تاريخياً للجيوش. خلال الحرب العالمية الأولى، اكتشفت طيور الفزان طائرات معادية قادمة من مسافات طويلة و"أطلقت الإنذارات عبر صرخاتها الملحة"، بينما تبين أن الكناري ماهر في تحسس الغازات السامة، كما أن النوارس تتبع الغواصات بحثاً عن القمامة. أما الحمام الزاجل فقام بنقل الرسائل التي ساعدت الحلفاء على أسر الغواصات الألمانية، والطيور هي التي أنقذت أطقم الطائرات المصابة وكاسحات الألغام الغارقة. وعليه، فلقد اتضح أن الطيور ليست مفيدة فقط، بل إنها "أبطال حقيقية".

(متخصص في علم الطيور البريّة)
المساهمون