عبد الله العمري..الفرشاة عوضاً عن الزناد

01 نوفمبر 2014
(رسم عبد الله العمري)
+ الخط -
منذ بداية الثورة السورية عام 2011، سعى عبد الله العمري من خلال لوحاته إلى نقل معاناة بلاده بعفوية مطلقة. لم يكن ليطيل التفكير. يحس ويرسم. هذا شغفه أصلاً. فصناعة الصورة بالنسبة إليه تدخل في صميم روحه. ولا مجال لاستئصالها.

العمري رسام وصانع أفلام سوري. درس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، إلى جانب دراسته في معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية. على مدى السنوات الماضية، عمل في مجالات عدة كالرسم الواقعي، الأنيمايشن، والفيديو آرت.

يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أتلقى بحساسية عالية كل ما يحدث حولي. لم يتطلب الأمر الكثير من الجهد لتحديد الموقف حيال الظلم الذي وجه ضدنا، بسبب حلمنا المشروع في العيش بحرية وكرامة، وصرخاتنا الثائرة على النظام".

عاش عبد الله سنواته الـ 26 في مخيّم اليرموك في جنوب العاصمة دمشق. وبعدما حان وقت التحاقه بالجيش عام 2012، اختار الهجرة إلى أوروبا. يقول: "لم أكن أريد أن أطلق النار على أحد فخرجت. كان المخيم حينها لا يزال على قيد الحياة نوعاً ما". يستذكر "متعة الخروج في تظاهرات المخيم في ذلك العام".

يُضيف العمري: "قليلةٌ هي الأشياء التي أؤمن بها. منها مخيم اليرموك. هو ذلك الشيء الذي يلاحقك كلّما أدرت له ظهرك. إنه الحب والكراهية. أرفع له القبعة احتراما حين أراه يحمل على ظهره، ولعقود طويلة، قضية من دون تعب أو ملل".

منذ تخرّج عام 2009، عرض أعماله الكثيرة (لوحات وفيديو آرت) في معارض ومهرجانات ومزادات في سورية والدول العربية وحتى أوروبا. وعمل منذ بداية عام 2012 عمل على توثيق معاناة الأطفال السوريين بشكل خاص، وتحديداً أولئك الذين فقدوا بيوتهم وقراهم ومدنهم وأفراد عائلاتهم، وتحولوا إلى لاجئين في مخيمات، وباتوا عرضة لجميع أشكال الظلم والألم والمعاناة الجسدية والنفسية. وخلال وجوده في جورجيا، أقام معرضه الفردي الأول بعنوان "مفاتن الحرب" في المكتبة البرلمانية الوطنية في العاصمة تبليسي.

لم يتخذ العمري قراراً بتوظيف الفن لنقل معاناة الإنسان السوري. كان أمراً بديهياً وعفوياً. يقول: "أردت فقط محو الشعور بالذنب. لم يكن عملي تقنياً على الإطلاق. على العكس، أعرف أن عملي خلال السنتين الماضيتين في مجال توثيق معاناة الأطفال لم يطوّر شيئاً في عملي كرسام. لكنه كرّس إنسانيتي".

يضيف: "الفن عادة هواية ذاتية ترتبط بشكل أو بآخر بمتلقٍ ما، وليس بالضرورة بمجموعة كبيرة". ألغت الثورة والمعاناة لاحقاً الرغبة لدى العمري بتحقيق ذاته. صار هناك ما هو أسمى من ذلك. والأهم هو الالتزام بالقضية التي يؤمن بها. يشعر بأن "من واجبه تقديم كل ما يملك من قدرة وموهبة من أجل أطفال سورية. فقد آمن حينها وحتى اليوم أنهم الضحية الأكبر، والأكثر تأثيراً على مستقبل سورية".

إحدى لوحاته المميزة هي تلك التي جسد فيها قصة الطفل نايف، الذي نجا من صاروخ السكود في مدينة حلب، وتكلم أمام الكاميرات بكل ثقة، راوياً ما شهده وعائلته. يصف علاقته بها قائلاً: "نايف قصة بحد ذاته. كيف يمكن لطفل في هذا العمر أن يحكي قصة بهذه البشاعة، ويروي تفاصيلها من دون حتى أن يذرف دمعة واحدة؟ إنه لأمر مؤلم و مزعج جداً، حين ترى أن أطفالنا كبروا قبل الأوان، و لم يعطوا فرصة لعيش طفولة بسيطة. كان يفترض أن يكون نايف في المدرسة، يتعلم ويلعب مع أصدقائه، لا أن يكون واقفاً أمام ركام منزله يتحدث عن أشلاء عائلته".

وعن أعماله، يقول العمري: "ليس لدي أعمال قريبة لقلبي أو بعيدة. اللوحة الأقرب هي اللوحة الآنية، تلك التي أعطيها كل الجهد والحب. وحين أنتهي منها، تتحول إلى ماض جميل".
يشتاق لدوره في الثورة السورية، حين كان يركض في التظاهرات، ويهرب من رصاص قوات النظام، وتلك النشوة التي تهتز لها الأبدان حين كانوا يهتفون: "الشعب يريد إسقاط النظام". وبعد خروجه من سورية، صار الرسم ملاذه الوحيد للتعبير عن ذاته وآماله.

ويبقى سقوط النظام حلمه الأكبر، "فتعود سورية حرة كما كانت قبل 40 عاماً". أما حلمه الشخصي، فهو "أن يمتلك استديو خاصاً به على أحد التلال، وخيلاً، ودراجة ينزل عليها إلى المدينة ويشرب القهوة مع الأصدقاء".

ويعلّق العمري على تجارب زملائه من الفنانين الذين يعبّرون عن واقع الثورة السورية، والصعوبات التي تقف عائقاً أمام تقدّم الفن، قائلاً: "المجال مفتوح للجميع للتعبير، ولكل واحد طريقته الخاصة في التعبير. أنا فقط لا أحب الاستسهال. قد يكون العائقُ مادياً على الأغلب. فالإنسان أولاً يجب، ومن حقه، أن يشبع، بعدها يعبّر".
المساهمون