منى الفرا.. أم أطفال غزة الفقراء مع الحبّ

07 مارس 2015
كنت أشعر بأنني مشروع شهيدة (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -

لم تبق الغزاوية منى الفرا، وصاحبة أول مدونة بالإنجليزية "من غزة مع الحب"، حبيسة العائلة الأرستقراطية التي تنتمي إليها. كانت تصرّ على النزول إلى الشارع لتفقد أحوال الأطفال في قطاع غزة. تجوب أزقة المخيمات وتسوّي ثيابهم، وترسم البسمة على وجوههم. مع الوقت، حملت معاناة شعبها وأحلامه إلى خارج الحدود.
بدأت الفرا تسجيل انطباعاتها وأفكارها عن معاناة الغزاويين جراء الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة. كانت تحكي همومهم ومعاناتهم، وترصد يومياتهم. تقول: "لمدونتي بصمة إنسانية. أحكي عن حياة المرأة والأم والطبيبة في ظل الاحتلال". عن بداياتها في الكتابة، توضح أنه من خلال عملها مع لجان العمل الصحي في مستشفى العودة، إثر اندلاع الانتفاضة الثانية، اعتادت الكتابة عن يوميات الفلسطينيين، "فجاءت فكرة الكتاب بعدما نصحني ناشطون متضامنون مع الشعب الفلسطيني بتجميع كل ما كتبته في مدونتي في كتاب حمل عنوان من غزة مع الحب".

كان للكتاب صدىً كبير في الدول الأوروبية وأميركا وأستراليا وبريطانيا. تصف الكتاب بأنه "من القلب وسط الحدث". هذه العفوية دفعت بعض الجامعات لاستخدامه كأداة لتوصيل معاناة الفلسطينيين، وتعريف الطلاب بوجهة النظر الفلسطينية حول الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. اهتمّت الفرا بالمرأة والطفل. تقول: "دائماً ما تنتهك حقوق الأطفال. يعانون بسبب عدم الشعور بالأمان وفقدان المسكن الجيد والغذاء. من هنا جاء اهتمامي بالطفل".
تعملُ الفرا مع الهلال الأحمر في قطاع غزة. تهتم بتوفير الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي، وتكريس ثقافة الصمود لدى الشعب الفلسطيني. تضيف: "نهتمّ بصحة الطفل الفلسطيني من خلال عملنا، وتعزيز ثقافة القراءة لديه". وقد حققت الفرا إنجازات كثيرة في هذا المجال. تقول لـ"العربي الجديد": "ساهمت في تطوير قسم الأشعة في الهلال الأحمر، ما ساعد كثيرين من المرضى، وخصوصاً أن الهلال الأحمر يقدم خدمات طبية بأسعار معقولة".

تهتم الفرا بمساعدة الأطباء المتخرجين منهم، لدعم الجهاز الطبي الفلسطيني، علماً أن القطاع يفتقد بعض التخصصات مثل جراحة الأعصاب والأشعة والطوارئ والعظام. ترى أن الطب "ليس مجرد أجهزة وأدوية، بل الكادر البشري هو الأساس، وهذا ما نفتقده في القطاع".
واجهت الفرا صعوبات كثيرة في محاولاتها هي وزملائها الأطباء على الحصول على منحة للسفر إلى الخارج. في الوقت نفسه، تقول: "لم يكن أحد منا قادراً على السفر، بسبب التضييق من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وعدم السماح لنا بالسفر عبر معبر إيرز، والحصار الذي يمنعُ الغزاويين من السفر إلا في بعض الحالات. على سبيل المثال، يحرم الاحتلال الأطفال من العلاج في حال كان الأب أو الأم على القائمة السوداء لدى إسرائيل".

عملت الفرا في "مؤسسة تحالف أطفال الشرق الأوسط"، وشاركت في إنشاء محطات لتحلية المياه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" ورياض الأطفال، بالإضافة إلى دعم المستشفيات والمؤسسات الطبية بالأدوية. كذلك، عملت في برامج الدعم النفسي للأطفال، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
تعيش الفرا مع أولادها الثلاثة. تقول: "خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، كانوا خارج القطاع. لم يكن الأمر سهلاً. خلال الحرب، كنت أتوجه إلى مقر عملي في الهلال الأحمر، فتتصل ابنتي لتطمئن عليّ، وتحدثني نحو عشر دقائق. بطبيعة الحال، كنت أشعر بأنني مشروع شهيدة في أية لحظة".
تخرجت الفرا من كلية الطب في جامعة عين شمس، وقد اختارت التخصص في الأمراض الجلدية. في ذلك الوقت، كانت الطبيبة الغزاوية الوحيدة التي اختارت هذا التخصص، وعملت في عدد من المراكز الصحية التابعة للجان العمل الصحي في وزارة الصحة الفلسطينية، قبل أن تتفرغ للعمل في عيادة الأمراض الجلدية في "جمعية الهلال الأحمر"، وتساهم في إنشاء عدد من المراكز الصحية والثقافية، أبرزها مستشفى العودة، بالإضافة إلى مراكز تعنى بصحة المرأة والطفل، على غرار "العصرية" و"راشيل كوري الثقافية".

تؤمن أن الصحة عملية تنموية مستمرة، لافتة إلى أهمية تطوير الكادر الصحي الفلسطيني، بهدف تقديم أفضل خدمة صحية للمواطنين. اعتادت العمل على الرغم من ضعف الموارد والنقص الحاد في البنية التحتية، بهدف تحقيق واقع أفضل للمرأة والطفل. منحها الغزاويون لقب "أم أطفال غزة الفقراء" عام 2013، من خلال تصويتهم في مواقع إعلامية مختلفة، واختيرت لتكون ضمن أكثر خمس شخصيات نسائية فلسطينية مؤثرة. بعيداً عن نشاطاتها الإنسانية، تهوى القراءة والكتابة، ورياضة المشي، والموسيقى، والسفر.
المساهمون