موت "معجّل مكرّر"

14 نوفمبر 2015
وقع التفجير. بل هما تفجيران. هل تأثّرنا؟ (الأناضول)
+ الخط -
هل تأثّرنا؟

يبدو المشهد مألوفاً وإن بدا مكثّفاً. علينا فقط إخراج مجموعة من الصور والعبارات من الذاكرة. يمكن استحضار الحزن أيضاً إذا ما تعبنا من البكاء. عناصر الصورة جاهزة: جثث ودماء وغبار كثيف وصراخ ووسائل إعلام تهذي. الرائحةُ نفسها أيضاً. هذه المرة، المأساة في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقع التفجير. بل هما تفجيران. هل تأثّرنا؟ ربما أو أنه يجب أن نفعل. في الخارج نفايات وذباب ملوّن يحوم حولنا. في الخارج أيضاً تفجيران، وقبلهما كان هناك أكثر. بعضنا لن يدخل إلى الضاحية الجنوبية مجدداً. هذه المنطقة ستصير بعيدة مرة أخرى. وإذا ما اضطررنا إلى المرور في شوارعها، ربّما نتفحص بطون المارة، ونركض من جهة إلى أخرى. لا. هذه قصة بعيدة لن تحدث لنا. يفصلنا عنها تلفزيون وماضٍ قريب.

ثمّة ثغرة ما في قلوبنا، تتسرّب من خلالها مشاعر التعاطف مع الضحايا. ليس هذا خللٌ في الإنسانية، بل تراكم حزن أو حزن مكرّر. فليرحم الله جميع الشهداء. قلوبنا مع عائلاتهم المفجوعة. ماذا يعني هذا؟ لا نصرخ، ولا نبدأ بتعداد الأماكن التي يستحسن عدم الذهاب إليها. لن نفعل. بعد قليل نخلد إلى فراشنا ونضيف صورا جديدة إلى الذاكرة.

نفكّر في المستقبل، فيبدو مجرّد صورة إضافية ما زالت معالمها قيد التكوين. لكنها صورة سننتهي في داخلها قبل القفز إلى أخرى. في الصور دماء ونفايات وذباب ومسؤولون يرتدون بدلات أنيقة. فيها أيضاً طائرات تبتعد. قد نصبح مثل الطيور المهاجرة. تلك تُغيّر سماءها من موسمٍ إلى آخر بحثاً عن الدفء، فيما نحن نستجدي الأمان في سماء أخرى. نحن بشر مهاجرون، نكادُ ننقرض من كثرة الموت.

هل تأثّرنا؟

سنمكث في البيت لبعض الوقت. نملّ فنقرأ أو نصنع الحلويات. نعم خائفون. في خزاناتنا ملابس سوداء. مستعدون للحداد على آخرين، وآخرون مستعدون للحداد علينا. الصور لن تكون فارغة. عناصرها مكتملة، تتبدّل وجوهها فقط. الأسودُ يقتل الحياة. إنه اعتراف بالنهاية. هذه الوجوه لم تعد معنا، ووجوهنا ليست معنا أيضاً. تبدو دخيلة على أجساد تسير ببطء نحو مصيرها.

موتنا في لبنان أشبه بقانون "معجّل مكرّر"، كمجموعة قوانين أقرّ مجلس النواب بعضاً منها خلال اليومين الماضيين. هناكَ إجماعٌ على موتنا، حين يقر نواب قوانين لا قيمة لها غير المساهمة في تكريس الطائفية. يوماً ما، سيخرج الذباب من بين كراسيهم ويتحولون إلى صورة. علّه يكون أزرق ويعاملهم كجثث. هل تأثروا؟

الموتُ ليس قدراً فحسب. في لبنان، هو قدر "معجّل مكرّر". ولكثرة ما خفنا، لم نعد نشعر بالخوف. لو أنّنا نصيرُ رسوماً متحرّكة تمسك بالطيور وترحل معها. في هذه الصورة، لن ترتدي ثياباً سوداء.

إقرأ أيضاً: تحبّها.. لا تحبّها
المساهمون