كسبتُ الرهان

20 نوفمبر 2017
أمام المرآة (بريند سيميالوفسكي/ فرانس برس)
+ الخط -
مقال لطيف ومتفائل. مزاج. لن يحبّ أحد مزاجاً عكراً، سواء في نهاية الأسبوع أو في بدايته. إذاً أصنع مزاجاً لطيفاً وهادئاً، وأسمع عزفاً على الطبل، ثمّ لن أرقص، فقد رقصت كثيراً في مقالات سابقة. سأكتفي بأن أتخيّلني أرقص. وحتى بمجرّد التخيّل، لم أسلم من تعليقات الزملاء.

خيال. وفي أحد مشاهده، أستمع إلى فرقة أيامنا الحلوة المصرية و"الدنيا حلوة وزي السكّر". وأنا أكثر تفاؤلاً، وأرى الحياة بطعم الشوكولاتة المرّة، تلك التي تعطيك فرصة للتلذّذ بها. تذوّق فتلذّذ. كأنّني أرقص وأستمع إلى أغنيات شعبيّة مصرية قديمة. أكتشفها وأتخفّف. وأعود إليها فجراً، وأوقظ أولئك الذين يعرفون النوم. وما حاجتنا إلى إغماض أعيننا؟ أرى الحياة بلونَيها، وأستمع إلى موسيقى النهار والليل. وينامون ولا يشاركونني مزاجاً هادئاً يسعى إلى ما بعد الهدوء.

في ذلك الليل، لا يُفارقني المقطع الأول من أغنية "ليلة حب"، وأستدعي خيالاً أنتقل إليه كلّما تعبت. في هذه الأسطر القليلة، لا يجدر بي أن أتعب أو أشكو حزناً. لا يجدر بي أن أفتح عينَيّ ليخرج منهما فائض الماضي. هذه ليلة حبّ، وموسيقى تدعو مستمعها إلى الرقص والابتعاد عن أصوات أخرى لا معنى لها. أرفع ذراعَيّ عن مستواهما المعتاد، وأبعد قدمَيّ عن أرض تسعى إلى ابتلاعهما، وأصير في الأعلى، أتأمّل "ليلة حب".

الرقص وأم كلثوم مرّة أخرى. لا أخرج من هذه الحلقة، ومن ليلٍ أقضيه أمام مرآة تستنسخني. لستُ أنا فيها. تصوّرني كشبحٍ في الغرفة، وأصير والشبح وحدنا. مزاجه سيّئ، ولا يحبّ الليل. يخاف أن تهبط فوق رأسه بقايا النهار. مزاجي فراشة تطير بعيداً عن الضوء. فراشة تفضّل العتمة. وهكذا يسعد القارئ. "ليلة حب" ورقص وخيال. قليلاً وينسحب الشبح من الغرفة. ليته يوقظ النيام الهاربين من بقايا يومياتهم. أولئك الذين يدفنون كلّ هذه البقايا في ثبات الليل. أنظر إلى ملامحهم لا تتحرّك. كأنّهم لم يكونوا هنا على هذه الأرض.

يطول الليل، والمزاج هادئ ولطيف. بقيت أسطر أقلّ، ولا بد من ألّا يتعكّر مزاجي أو أخسر الرهان. ها أنا أضحك وكأنّ نكات الأرض تدور حولي. أدور وأدقّ على الدفّ وأرقص. والرقص حالة دائمة، وأحزن لأجل من يجهلها، أو من تتجمّد أطرافه خوفاً من الموسيقى.

كلّ هذه الآلات الموسيقية تصنع "ليلة حب" ومزاجاً سعيداً. تصنع مزاجاً يصرّ على كسب رهان قديم، قبل أن تُلاحقه الأحداث. أصنع مزاجاً رقيقاً هشّاً، قد يتحطّم في أيّ لحظة. بقيت كلمات، بضع كلمات. أبتسم، ها قد كسبتُ الرهان.
دلالات
المساهمون