جرائم يرتكبها مرضى نفسيون في مصر

16 اغسطس 2019
الفقر سبب رئيس للمرض النفسي والجرائم (فايد الجزيري/ Getty)
+ الخط -

تترافق الجرائم التي يرتكبها من يوصفون بالمرضى النفسيين في مصر مع نداءات متكررة إلى السلطات بحلول حاسمة بعد زيادة أعدادها، ولجوء البعض إلى ادعاء المرض النفسي تبريراً لجريمته

حالة من الذعر انتابت أهالي سكان محلة كعابيش، في حيّ الهرم، بمحافظة الجيزة المصرية، عندما أقبل مختل عقلياً على قتْل شاب (18 عاماً) بتسديد عدة طعنات باستخدام سكين، وذلك في الشارع وسط المارة. فتحت تلك الجريمة، ملف حوادث المرضى النفسيين في شوارع عدد من محافظات البلاد، إذ تتكرر الجرائم تحت دعوى المرض النفسي لأصحابها، ومن أكثرها بشاعة هذا العام، إقدام مريض نفسي على قتل شقيقته في محلة دار السلام، جنوبي القاهرة، بعد خلافات بينهما، إذ ضربها بقطعة بلاط، للتخلص منها، وأكدت والدته أنّه يعاني من مرض نفسي ويتناول مهدئات جعلته في غير وعيه، ويفقد السيطرة على نفسه، وأثناء الخلافات مع شقيقته قتلها. وفي محلة الزاوية الحمراء، شمالي القاهرة، قتل شاب والده المُسنّ بطعنه ثلاث مرات ثم ذبحه وخنقه بواسطة سروال، وتبين أنّه يعاني من مرض نفسي، بعد تأكيد جيرانه أنّهم كانوا في سبيلهم لعلاجه بإحدى المصحات النفسية.

وفي محلة بولاق الدكرور، بمحافظة الجيزة، انتحر مريض نفسي حاول ذبح نفسه بسكين، لكنّه فشل فلجأ إلى إطلاق الرصاص على نفسه ليفارق الحياة في منزله. وفي إمبابة، سيطرت حالة من الاكتئاب على مدرب كاراتيه بنادي "الزمالك" تسببت في تركه وظيفته لتتسرب الهواجس إلى مخيلته رويداً رويداً، حتى تحولت إلى يقين بأن عائلته تخطط لإيذائه، فقرر حمل سكين بين طيّات ملابسه طوال الوقت، كما قرر إنهاء مأساته بقتل والدته وشقيقه التوأم.



وهناك جرائم كثيرة تُرتكب من قتل عمد وإضرام حرائق واغتصاب، ويجري ادعاء المرض للإفلات من العقاب والهروب من المساءلة القانونية، ويفضِّل المرتكبون البقاء داخل مستشفى للأمراض النفسية على دخول السجن. لكن، هناك جرائم ارتكبها مرضى نفسيون فعليون أيضاً، فقد كشف بحث علمي أجراه المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بالقاهرة، أنّ 25 في المائة من الشعب المصري مصاب بأعراض نفسية مختلفة، بعدما زادت حدتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة حالات الفقر لدى فئات كبيرة من الشعب، ما دعا البعض إلى تعاطي المخدرات والمسكرات من أجل النسيان، والبعض الآخر اتجه إلى الانتحار بوسائله المختلفة، أو ارتكاب جرائم جنائية خطيرة يعاقب عليها القانون مثل القتل والاغتصاب.

أضاف المركز أنّ 60 في المائة من المصابين بالأمراض النفسية يفكرون في الانتحار، و20 في المائة ينفذون عدداً من الجرائم الخطيرة التي تصل إلى القتل والاغتصاب، ومن بينها اغتصاب المحارم. وطالب المركز الجهات الحكومية المصرية المسؤولة، بالتحرك لمواجهة أعداد هؤلاء المرضى، خصوصاً الحالات الخطرة منها، بإيداعهم مستشفيات الأمراض النفسية.

وكشفت مصادر قضائية أنّ هناك ما بين 100 شخص و150 شخصاً داخل مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، جرى حجزهم نتيجة اتهامهم بقضايا جنائية خطيرة، من بينها جرائم قتل والشروع في القتل وتعاطي مواد مخدرة. وهم الآن تحت الملاحظة الطبية بناء على قرار من القضاء، لمعرفة مدى قدرة قواهم العقلية، وأوضحت المصادر أنّ عشرات النزلاء يعانون من أمراض خطيرة ومشاكل صحية، وهناك من ماتوا بسبب عدم الاهتمام بهم.



من جهته، يشير أستاذ الطب النفسي بجامعة "الأزهر" الدكتور محمد المهدي، إلى غياب الأرقام الدقيقة حول المرضى النفسيين في مصر، لكنّهم في ازدياد مستمر، متوقعاً أن يتجاوز عددهم داخل مصر 18 مليوناً، مشيراً إلى أنّ هناك أزمة كبيرة في قلة أعداد المستشفيات الحكومية النفسية لاستقبال هؤلاء المرضى، فعدد الأسرّة المطلوبة لرعايتهم تزيد على 25 ألف سرير بينما المتوافر منها 6700 سرير فقط، وهو ما أدى إلى ازدياد عدد المرضى النفسيين في الشوارع خصوصاً بين الفقراء، إذ للأغنياء طرق أخرى في علاج من يخصهم، كما يتدنى عدد الأطباء النفسيين إلى 2000. يتابع المهدي أنّ البعض استغل قلة الأطباء والمستشفيات النفسية، وأنشأ مراكز علاج طب نفسي من دون الحصول على ترخيص من المجلس القومي للصحة النفسية، وذلك لعلاج الإدمان والأمراض النفسية. وتنتشر "مراكز بير السلّم" هذه في عدد من المحافظات، وتتقاضى بدلات مالية كبيرة، ولا تضم أيّ فريق علاجي سواء من الأطباء أو الممرضين، بل تقع فيها كوارث من وفيات للمرضى أو انتهاك لإنسانيتهم، أو حتى عدم استفادتهم من العلاج الذي تلقوه. يوضح أنّ ارتفاع أسعار الأدوية النفسية، جعل المريض النفسي في كثير من الأحيان غير قادر على شراء الدواء، إذ يحتاج إلى ثمنه لتسديد تكاليف المعيشة الأساسية، فيلجأ البعض إلى الشراء عبر الإنترنت أو من خلال الأصدقاء، وربما يلجأ البعض إلى الدجالين ممن يعملون في السحر والشعوذة، للهروب من تكاليف العلاج وأسعار العيادات النفسية.

بدورها، تلفت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، إلى أنّ الضغوط الحياتية والنفسية المستمرة والحالة الاقتصادية زادت من حالات الاكتئاب، مشيرة إلى أنّ مريض الاكتئاب يرى الحياة سوداء، ولا شيء فيها يستحق الحياة، فينفذ الجريمة بقتل أيّ فرد يضايقه ثم يقتل نفسه. تؤكد أنّ انتشار هؤلاء يعتبر مشكلة كبيرة تواجه المجتمع المصري، نتيجة خطرهم المتزايد يومياً.