تراجع معدل متوسط الأعمار في العراق... وأطباء يحملون المسؤولية للضغوط النفسية

28 يناير 2019
عراقيون أنهكتهم الحروب (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -



تراجع متوسط الأعمار في العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل ملحوظ، مع استمرار الزيادة المطردة في نسبة الفقر والبطالة فضلاً عن الحروب والصراعات، والتي ترجمها أطباء متخصصون على أنّها ضغوط نفسية نتج عنها أمراض ووفيات مفاجئة.

وسجلت المدن المحررة وسط وشمال وغرب البلاد النسب الكبرى بتراجع متوسط الأعمار، والوفيات المفاجئة لمتوسطي الأعمار ممن ما زالوا في الأربعينيات وبدايات الخمسينيات من أعمارهم.

مسؤول في وزارة الصحة، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "معدل الوفيات بين متوسطي الأعمار ارتفع بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وهذا كله يعود لعوامل نفسيه"، مبينا أنّ "مستشفيات البلاد تسجل وفيات مفاجئة أسبوعياً وأحياناً يومياً، والغريب أنّ معظم المتوفين لم يتجاوزوا الخامسة والأربعين أو الخمسين من العمر، وتبين أن أغلب حالات الوفاة ناجمة عن الإصابة بالكبت النفسي".

يتزامن ذلك مع تزايد نسبة الأمراض النفسية وخاصة بين شريحة الشباب من الذكور والإناث بعد الحروب الطاحنة التي شهدتها البلاد، وخاصة في محافظات وسط وشمال وغرب العراق، التي تعرضت لعمليات عسكرية وموجات نزوح هائلة منذ مطلع 2014 انتهت في حالات عديدة بالانتحار.

مستشارة الطب النفسي الدكتورة بتول الزبيدي أوضحت، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأمراض النفسية ارتفعت بشكل خطير خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بين شريحة الشباب نتيجة لأسباب عديدة، منها الانفجارات والرعب بسبب العمليات العسكرية والخوف من المجهول وتفاقم البطالة والفقر والإذلال الذي يشعر به الناس".

وأضافت أنّ "هذه الأمراض تتمثل بالكبت النفسي وعدم القدرة على الكلام عن المشاكل التي يمر بها الفرد، بسبب الخوف من التعرض للأذى أو الملاحقة، فتتراكم وتتحول إلى مخاطر عضوية تهدد القلب والشرايين والدماغ، وتترجم على شكل جلطات قلبية ودماغية مفاجئة تنتهي بالموت المفاجئ".


وبينت أنّ "عشرات الحالات تمت معالجتها نفسياً، وأصبح الأطباء النفسيون مقصد الكثيرين للعلاج، مّمن تعرضوا لنوبات من الخوف والإرهاب والحزن الشديد نتيجة الظروف القاسية التي يمر بها العراق".

ورصد أطباء العديد من حالات الإصابة بالجلطات القلبية والدماغية المفاجئة بين الشباب، وهو أمر يثير استغرابهم فضلاً عن الوفيات المفاجئة لآخرين في سن مبكرة رغم صحتهم النسبية الظاهرة جيدة نوعا ما.

المتخصص بالأمراض الباطنية الدكتور إياد الدليمي، تحدث لـ"العربي الجديد"، قائلا إنّ "اللافت أنّ متوسط الأعمار بدأ بالتقلص بعد عام 2003 في العراق، ولكن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً في متوسط الأعمار، وأنّ أغلب الوفيات تحدث بأمراض القلب والشرايين التي قتلت المئات".

وتابع "شاهدت حالات غريبة منها إصابات بجلطات قلبية ودماغية بين شباب في الثلاثينيات من العمر، وحتى نهاية العشرينيات، وهو أمر مستغرب في عالم الطب، وبعد مراجعة ملفات المرضى تبين تعرضهم لضغوط نفسية شديدة نتيجة الفقر والبطالة والقلق المستمر من المستقبل المجهول".

من جهته، قال رئيس منظمة "رحمات" الإنسانية، بارق الحديدي، إنّ "منظمتنا رصدت منذ بدايات موجات النزوح وحتى اليوم عشرات الوفيات المفاجئة، وكان المستغرب أنّ المتوفين ما زالوا بصحة جيدة نسبياً وفي أعمار متوسطة"، مبينا خلال حديثه مع "العربي الجديد"، "تواصلنا مع أطباء متخصصين واكتشفنا تعرض معظم سكان تلك المدن إلى ضغوطات نفسية هائلة سببت أمراضاً عضوية خطيرة".

وأضاف "المدن المحررة وهي الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى هي الأكثر تضرراً وتراجعاً في متوسط العمر في السنوات الخمس الأخيرة، وما يزيد الأمر تعقيداً عدم وجود فرصة للترفيه أو أماكن ترفيهية في معظم تلك المدن العراقية، ولا توجد لدى أهلها النازحين إمكانية مادية للسفر والترفيه".

وتعد المحافظات المحررة الأكثر تضرراً من كثرة الوفيات المفاجئة بين متوسطي الأعمار بسبب الظروف القاسية التي مرت ومازالت تعيشها تلك المدن بعد الحرب الطاحنة بحسب المختصين.

المساهمون