كورونا وبيان الضعف

20 ابريل 2020
ثمّة عبء مرتبط بحالة كاملة من المجهول (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -

لماذا يضعف البشر دون المخلوقات الأخرى أمام الكوارث والأوبئة؟ يُحكى أن سائق شاحنات كان يعبر مجرى جافاً واسعاً لوادٍ (نهر) موسمي في غرب السودان، فقرّر أن يقضي قيلولته عند طرف الوادي مشاركاً أحد الرعاة ظلّ شجرة ضخمة كثيفة الأغصان. وبينما هما يتجاذبان أطراف الحديث عن المنطقة وذلك الصيف الطويل، فإذا بالراعي يهبّ مذعوراً عند ملاحظته فأرة تنقل صغارها من جحر في أسفل الشجرة إلى أعلى الأغصان في عجلة من أمرها. فقام بهشّ أغنامه وهو يردّد "الوادي جاء... الوادي جاء"، ويطلب من السائق مغادرة بطن الوادي. لم يكترث السائق بهذيان الراعي الذي غادر، وما هي إلا دقائق معدودة وإذا بالماء المندفع يكتسح الشاحنة قبل أن يتمكن سائقها من إدارة المحرّك.

من الذي أعلم الفأرة بالكارثة؟ ولماذا لا يتعاطى البشر مع ما يأتي في التنبؤات والتحذيرات حول تمدّد الكوارث؟ فقد أكّدت جائحة كورونا أنّه مع استهتار البشر هناك عوامل أخذت تزيد من حدة الوباء، بينها الإعلام المضلل، ومصالح البعض.

في البيئة المحيطة بنا دروس وعبر بلا حصر. فهذا العالم محكوم بآلة متقنة الضبط، ويتميّز بقدر عالٍ من الانسجام والتناسق والعقلانية. نظام غاية في الدقة والاتقان ووحدة الهدف. وتتجلّى عقلانية أو "مغزى" الطبيعة في القدرة العجيبة على تكيُّف الحيوان والنبات مع البيئة. أمّا البشر فتجدهم في شكوى دائمة ممّا هم فيه، يشكون البرد شتاءً والحر صيفاً، والقحط عندهم كارثة كما الهطول. وفي حال الأوبئة، تجد أن أكبر الأنظمة يتهدّدها السقوط وتنفلت العقول من عقالها، حتى إنّ مقولة أطلس في الأسطورة القديمة بأنّ "الناس أصبحوا متعلّمين أكثر من اللازم، وأنّهم باتوا لا يصدّقون الخرافات المتعلقة بخلق العالم" تبدو ماثلة. لكن، هل التنبؤات خرافة؟ أم أنّها العلم الأبعد عن إدراك البشر العاديّين؟

حول سيكولوجيا الأوبئة، تورد الخبيرة في علم النفس هالة الحفناوي أنّه "في أثناء انتشار الأوبئة لا يواجه الفرد مخاطر انعدام اليقين المرتبط باحتمالات إصابته بالمرض من عدمه، بل إنّه يواجه عبئاً أثقل مرتبطاً بحالة كاملة من المجهول، وهو ما يتسبّب في تصاعد مشاعر الخوف والقلق مقارنة بالأمراض العادية والتي قد تكون أكثر خطورة على حياة الفرد مقارنة بالوباء إذا أصاب الفرد. ولذلك لا ترتبط هذه الحالة بالمصابين فقط، بل إنّها تشمل المجتمع كلّه بدرجة أو بأخرى، فهي حالة مرتبطة بسرعة انتشار الوباء وعدم وجود القدرة على توقّع متى وكيف ينتهي، ولا يوجد سقف واضح أو يقين بظهور دواء معالج".



كم من كارثة طبيعية ما كان لها أن تُحدِث من الآثار مثلما أحدثت، لو أنّ الناس أخذوا بما يجيء في التنبؤات السابقة لموجات التسونامي والأعاصير. لكنّ الأوبئة تظلّ من الخبرات الاجتماعية التي تترك تأثيرات طويلة المدى، وتستمرّ انعكاساتها لسنوات، وقد تساهم في تطوير أو تغيير الملامح الاجتماعية للدول، خصوصاً مع زخم التفاعلات التي تصاحب فترة وجود الوباء. فماذا سيخلّف كورونا في العالم؟

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون