الحسابات السياسية تحكم قرار الدول المانحة لتونس

27 يناير 2018
حصلت تونس في منتدى الاستثمارعلى تعهدات كبيرة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لا توجد أرقام رسمية توثق حجم المساعدات والهبات التي حصلت عليها تونس منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 لكن الثابت أن الانتقال الديمقراطي في البلاد كان مدعوماً من عدد من البلدان العربية والأجنبية التي رافقت تونس على امتداد السنوات السبع الماضية لتخطي العثرات الاقتصادية وتعزيز قدرات الدولة على الاستجابة لمطالب الثورة.
وفي أكثر من مناسبة طالب أعضاء البرلمان بوضع آليات لتقييم ومتابعة أثر هذه المساعدات والهبات في تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي للفئات والجهات المنتفعة بها.

وعلى قائمة المانحين يصنف كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا في صدارة الداعمين لتونس فيما تحل دولة قطر في صدارة الدول العربية التي ساعدت البلاد منذ الثورة بسخاء كبير.
وعادة ما تكون الهبات والمساعدات في شكل اتفاقيات أو مذكرات تفاهم موقعة بين الحكومة التونسية والدولة الداعمة سواء في شكل مساعدات عينية على غرار التجهيزات والعربات أو مالية توجه لتمويل قطاعات تنموية تساعد في إيجاد فرص العمل لمقاومة البطالة وخفض نسب الفقر والبرامج الصحية وتنمية المحافظات التي تشكو ضعفاً في التنمية بهدف تحسين ظروف عيش مواطنيها.

داعمون رئيسيون

كشفت بيانات رسمية لوزارة التنمية والتعاون الدولي أنه تم الحصول خلال عام 2012 على موارد مالية بقيمة 1.1 مليار دينار أي نحو 458 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي ودول عربية، بينما حصلت تونس عام 2013 على هبة بقيمة 200 مليون دولار من تركيا وأخرى قطرية بقيمة 500 مليون دولار وهي من أكبر الهبات المالية التي حصلت عليها البلاد من دول عربية وإسلامية في السنوات التي تلت الثورة.
وكشفت ذات البيانات أن الاتحاد الأوروبي قدم حتى سنة 2015 أكثر من 800 مليون يورو (996 مليون دولار تقريباً) من الهبات المجتمعة فضلاً عن حزمة من المساعدات الفنية التي حصلت عليها المؤسسات الحكومية لتحسين مردود الإدارة وإرساء قواعد الحوكمة وحسن التصرف في المنشآت الحكومية.

ويعد المنتدى الدولي للاستثمار (تونس 2020) في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 من أكبر الملتقيات الدولية التي حصلت الحكومة فيها على تعهدات مالية بحدود 15.4 مليار دولار من القروض والاتفاقيات والهبات التي لا تزال الدولة تطارد جزءاً منها بعد أكثر من سنة بسبب تباطؤ إجراءات تنفيذ هذه الاتفاقيات من بعض الدول المانحة.
ووفق ما أعلن وزير الاستثمار فاضل عبد الكافي حينها، فإن التعهدات تتوزع بين 6.8 مليارات دولار في شكل اتفاقيات تم التوقيع عليها خلال المؤتمر، و8.6 مليارات دولار في شكل تعهدات وقروض من مؤسسات تمويل بشروط ميسرة ونسب فائدة لا تتعدى 2%، مع إمهال الحكومة التونسية فترات سماح قبل الشروع في سداد هذه القروض، تتراوح بين 5 و7 سنوات.

وعود وضغوط

وبحسب النتائج المعلن عنها حينها، فقد خصصت حكومة فرنسا مليار يورو للاستثمار في تونس حتى عام 2020 إضافة إلى تحويل جزء من ديون تونس إلى مشاريع استثمارية، كما منحت دولة قطر تونس مساعدة مالية قيمتها 1.250 مليار دولار لتنمية المناطق المحرومة، في حين قدمت دولة الكويت قروضاً ميسرة بقيمة 500 مليون دولار خلال 5 سنوات إلى جانب تقديم تركيا منحة قدرها 200 مليون دولار واستثمار 200 مليون دولار أخرى في مشاريع تنموية وتقديم قرض قيمته 200 مليون دولار، فضلاً عما وعدت به صناديق استثمارية ومؤسسات تمويلية دولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وصندوق قطر للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، وعدت جميعها بتمويل مشاريع عديدة في تونس.

أما العرض السعودي فقد تمثل في تقديم منحة بمبلغ 100 مليون دولار لدعم مشاريع تنموية، وتخصيص مبلغ 500 مليون دولار عن طريق الصندوق السعودي للتنمية لتمويل مشاريع تنموية، وتخصيص 200 مليون دولار لتمويل صادرات سعودية لتونس.
وبحسب الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني فإن الهبات والمساعدات التي تتلقاها تونس من دول عربية أو أوروبية غالباً ما تكون مرتبطة بنوعية العلاقات السياسية مع الدول المانحة، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" أن الدول التي تملك إمكانيات مادية كبيرة تملك سلاح الضغط على الدول التي تمر بأزمات اقتصادية من أجل ضمان اصطفافها في هذا الحلف أو ذاك.

وأضاف الزمني أن الدولة التي لديها رغبة حقيقية في مساعدة تونس على تخطي أزمتها الاقتصادية وإنجاح مسارها الانتقالي برهنت منذ الثورة على حسن نواياها عبر عروض سخية ودعم لا مشروط، فيما تجد الدول التي تلعب ورقة الضغط عبر المساعدات أعذاراً للتنصل من التزاماتها بحسب قوله.
ويدفع العجز المتواصل للمالية العمومية تونس إلى طلب مزيد من الدعم من دول عربية وأوروبية رغم بعض الإحباط الذي تشعر به سلطات البلاد من شح التمويلات مقارنة بما حصلت عليه دول أخرى.

تحرك تونسي

ويقول عضو البرلمان ماهر مذيوب في حديث لـ"العربي الجديد" إن دعم التجربة التونسية يجب أن يكون بمعزل عن التحالفات السياسية التي تعيشها المنطقة العربية، داعياً سلطات البلاد إلى تحريك القنوات الدبلوماسية من أجل حصد أكبر قدر ممكن من الدعم ومن المشاريع الاستثمارية الرافعة لنسب النمو حسب قوله.
ولا تزال السلطات التونسية تبحث مع مستثمرين إماراتيين إمكانيات إحياء مشاريع ضخمة تم التوقيع على اتفاقياتها قبل الثورة بقيمة 14 مليار دولار من قبل مجموعات "سما دبي" ومجموعة "بوخاطر".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي جددت تونس مطالباتها بتفعيل اتفاقيات ندوة الاستثمار 2020 وذلك من خلال مشاركتها في الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتسعى الحكومة التونسية إلى إقناع المتعهدين بمواصلة مساعدة البلاد، وذلك من خلال الالتزام بالاتفاقيات التي تم توقيعها العام الماضي.

ويتوقف إقناع المانحين حسب الخبير الاقتصادي نادر حداد، على الإسراع في الإصلاحات الاقتصادية التي شرعت الحكومة في تنفيذها. وأضاف الحداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإصلاحات التي تجريها حكومة تونس تحتاج إلى وقت كاف حتى تثمر، لافتاً إلى أن تأخر تنفيذ التعهدات التي حصدتها تونس في منتدى 2020، مرده اختلاف الدول المانحة في ما بينها حول مساعدة الدول الناشئة ومراعاة الحسابات السياسية والتجاذبات الإقليمية، إلى جانب تأخر الإصلاحات التونسية التي فرضتها المؤسسات المالية على غرار صندوق النقد الدولي.


المساهمون