نجارة غزة.. مهنة يعطلها انقطاع الكهرباء

30 مارس 2015
الكهرباء تهدد مهنة النجارة بغزة (أرشيف/عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

بقلم رصاص يرسم خطوطاً ومنحنيات على ورقة بيضاء، قبل أنّ ينقلها إلى ألواح خشبية كبيرة تمهيداً لتقطيعها وتحويلها إلى أثاث لغرفة نوم حديثة الطراز، فهذه هي الخطوة الأولى التي يبدأ فيها النجار الفلسطيني أدهم سعيد (47 عاما) عمله صباح كل يوم.

لكن تلك الخطوة تبقى في معظم الأيام الأولى والأخيرة، فانقطاع الكهرباء لفترات طويلة تزيد على 15 ساعة يومياً بات معطلاً أساسيا لعمل النجار سعيد، الأمر الذي تسبب له بخسائر فادحة خلال الأشهر الماضية أدت لتسريحه عدداً من عماله.

ولا يملك النجار الغزي بدائل لتوفير الكهرباء، فتكلفة تشغيل المولدات الكهربائية تفوق أرباحه

في اليوم الواحد بسبب ارتفاع أسعار الوقود وطول فترة انقطاع التيار الكهربائي، وعدم وجود بدائل يمكنه من خلالها التغلب على أزمة الكهرباء.

ويقول سعيد لـ "العربي الجديد" إنه يضطر لفتح منجرته في ساعة مبكرة من الفجر ليستغل ساعات وصل الكهرباء، ويبدأ يومه بمحاولة إنجاز الأعمال التي تعتمد على الأجهزة الكهربائية كتقطيع ألواح الخشب و"سنفرتها"، وثقبها، وهو ما يتطلب منه بذل جهد كبير خلال وقت محدود لا يزيد على ساعتين أو أربع ساعات في أحسن الأحوال.

وما إن ينقطع التيار الكهربائي حتى يبدأ النجار وعماله بتجميع الألواح الخشبية التي تم

تقطيعها، وتثبيتها بـ "البراغي والمسامير" بطريقة يدوية لتكوين قطع الأثاث، قبل أن يتم

مراجعتها وإجراء التعديلات اللازمة عليها يدوياً لتنتقل إلى مرحلة الطلاء النهائي.

تلك الخطوات لا تجد في كثير من الأيام فرصة لتنفيذها بسبب انقطاع الكهرباء، ما يضطر الفلسطيني سعيد لإغلاق منجرته ليومين أو ثلاثة في الأسبوع الواحد، والتي تكون فيها الكهرباء بالفترة الصباحية مقطوعة، وهي فترة العمل الرسمي لأصحاب الورش في القطاع.

ويقول النجار الفلسطيني، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، "تعرضت منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في نهاية شهر آب/أغسطس من العام الماضي 2014 لخسائر تزيد على أربعة ألاف دينار أردني (5600 دولار أميركي) وذلك بسبب أزمة الكهرباء التي تعطل عملي ليومين أو ثلاثة أيام خلال الأسبوع الواحد".

ويضيف: "إغلاق المنجرة لثلاثة أيام يؤدي إلى انخفاض الإنتاج بنسبة تزيد على 60% ما يعني تقلص الدخل الشهري بذات النسبة، وأنا سواء قلت نسبة الإنتاج أو زادت أدفع رواتب لثلاثة عمال تزيد على 3000 شيكل (الدولار يعادل 3.90 شيكل) وإيجاراً شهرياً لمالك المنجرة يبلغ 2000 شيكل، بالإضافة إلى الضرائب التي تفرضها البلدية على الحرفة والمنجرة.

ويوضح النجار سعيد، أنه كان قبل عامين يحقق أرباحا تزيد على ثلاثة آلاف دولار شهرياً، لكن أرباحه خلال العامين الماضيين، وخاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة تقلصت بشكل كبير بحيث باتت تمر أشهر يتكبد فيها خسائر فادحة.

ولا يقتصر سبب خسائر النجار الفلسطيني، الذي اضطر لتسريح اثنين من عماله، على أزمة الكهرباء، فقلة الإقبال على صناعة الأثاث نتيجة لعزوف الشباب في قطاع غزة عن الزواج، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أحد الأسباب الرئيسية أيضاً.

ويشير إلى أنه كان يتلقى نحو 20 طلباً لصناعة أثاث لغرف نوم خلال الشهر الواحد قبل عامين، ولكنه بات لا يتلقى سوى ثلاثة طلبات إلى خمسة شهرياً، فمعظم الشباب باتوا يؤجلون زواجهم بسب الظروف الاقتصادية الصعبة أو عدم توفر مسكن، أو يقبلون على شراء الأثاث المستورد (رديء الجودة) بسبب أسعاره المنخفضة.

وتسبب العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز من العام

الماضي، واستمر 51 يوماً بتدمير أكثر من 18 ألف منزل بشكل كلي، و19 ألف منزل جزئيا، بالإضافة لتدمير نحو 5000 منشأة اقتصادية الأمر الذي أدى ارتفاع نسبة البطالة إلى 60% والفقر إلى 80%، بحسب اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة.

وعاد جدول توزيع الكهرباء داخل غزة إلى سابق عهده، مع توقف محطة التوليد الوحيدة في القطاع الساحلي، لتصل الكهرباء إلى الغزيين 6 ساعات مقابل قطعها 12 ساعة يومياً، في ظل وصول أزمة الطاقة في غزة إلى عجز يقارب 70%.

ويحتاج القطاع إلى ما بين 480 و500 ميغاوات من الكهرباء يوميّاً، في حين يتوفر في الوضع العادي نحو 215 ميغاوات تأتي من ثلاثة مصادر؛ هي محطة التوليد الوحيدة وخطوط كهرباء آتية من الأراضي المحتلة (إسرائيل) وأخرى مصرية تغذي منطقة رفح الفلسطينية فقط، وفق مصادر في سلطة الطاقة بالقطاع.


اقرأ أيضاً:
"غرف النوم" تقلق شباب غزة المقبل على الزواج

المساهمون