هل يرتفع سعر النفط فوق 150 دولاراً؟

24 أكتوبر 2018
صعود سعر النفط يرفع تلقائياً تكاليف المحروقات (فرانس برس)
+ الخط -

نشر الباحث والخبير في شؤون النفط، ستيف أوستن، في شهر أغسطس/ آب الماضي، مقالاً على موقع OIL-PRICE.NET، والذي يعتبر المصدر الأول لأسعار النفط. 

المقال جاء فيه أن "التوتر مع إيران سيرفع أسعار النفط إلى ما فوق الـ150 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد".

وقد بنى ستيف أوستن هذه التوقعات على أن إيران كانت، في شهر مايو/ أيار 2018، تنتج حوالي 3.83 ملايين برميل في اليوم، وتصدّر منها حوالي 2.7 مليون برميل.

وكان من المفروض أن يرتفع إنتاج النفط الإيراني عام 2021 إلى 5 ملايين برميل في اليوم. وبسبب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من الاتفاقية النووية مع إيران، وبسبب المقاطعة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لإيران، فإن انقطاع حوالي 2.7 مليون برميل من سوق صادرات النفط سيُحدِث فجوةً من المعروض من النفط يصعب تغطيتها من باقي المنتجين.

وكذلك، فإن إيران قد تجعل كلفة مرور النفط عبر ميناء هرمز أعلى من حيث أجور الشحن والتأمين والحراسة، حتى لو لم تقم إيران بإجراءٍ تصعيدي لمنع إبحار النفط الخليجي عبر ذلك المضيق البحري، والذي سيجرّ عليها هجوماً من الولايات المتحدة وبعض حلفائها.

وبافتراض أن النفط الليبي ربما ينقطع في حال استفحال أزمة المصالحة هنالك، واستمرت كميات النفط القليلة المنتجة في اليمن بالانقطاع، ولم تسع دول "أوبك" مع روسيا إلى زيادة إنتاجها، كما يطلب الرئيس ترامب منذ شهر مضى، فإن أسعار النفط مرشّحة للارتفاع قياساً بسعر برنت (نفط بحر الشمال). ولكنه عاد وتراجع إلى ما يقارب الثمانين دولاراً، بعدما أعلنت السعودية، قبل أيام، عن نيتها زيادة كميات الإنتاج النفطي.

أسعار النفط متقلبة

في ظل الظروف الحالية والمتغيرة والمتقلبة، فإن مؤشر أسعار النفط متقلب كمياه الشلال، ومتذبذبٌ إلى درجة عالية، تجعل من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه الأسعار في المدى الآني والعاجل.

وفي ظل ظروفٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ مستقرة، فإن منحنى الطلب على النفط يكون ثابتاً ومستقراً، ويصبح التغير في السعر هو انتقال على المنحنى نفسه. أما الظروف الهوجاء الحالية، فإنها تجعل منحنى الطلب على النفط ينتقل من أعلى إلى أسفل، فيصعُب قراءة المستقبل وحركة أسعار النفط فيه.

سياسة الولايات المتحدة التي ترنو حالياً إلى زيادة إنتاج النفط، وتقليل أسعاره، هي أكبر مؤثر على دول الخليج النفطية لكي تزيد من إنتاجها لتغطية الفجوة الحاصلة في الطلب على النفط الإيراني.

والسبب الذي يدعو الرئيس ترامب إلى ذلك أنه لا يريد أن يحدِث خللاً في النمو الاقتصادي الأميركي في أعين الناخبين الأميركيين.

وفي هذا اليوم، الخميس، لم يتبق على الانتخابات التشريعية الأميركية في منتصف الفترة سوى عشرة أيام. وتشكل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني أهمية كبرى بالنسبة لإدارة ترامب، والذي أقلقته حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول يوم الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

قلق ترامب

وبسبب خشية ترامب من أن يرتفع غالون البنزين إلى أربعة دولارات، وبسبب الحرج الذي تسبّبه له وسائل الإعلام والحزب الديمقراطي، وبعض أعضاء حزبه البارزين، بسبب علاقته مع القيادة السعودية، فإن الرئيس ترامب يمارس ضغوطاً على المملكة لكي تزيد إنتاجها حتى لا تزيد من فرص فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة بعد عشرة أيام.

وترامب يخشى إن ارتفعت أسعار النفط أن ترتفع الأسعار في الولايات المتحدة بشكل عام، وليس أسعار المشتقات النفطية فحسب، ما سيدفع مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) المستقل إلى رفع أسعار الفوائد، ما يجعل الدولار أقوى، وديون الولايات المتحدة أكثر كلفة، وتنافسيتها في سوقها وفي الأسواق العالمية أدنى.

وبسبب هذا التطور، وغيره من الظروف، وجدت المملكة العربية السعودية نفسها، وبسبب حادثة مقتل الصحافي خاشقجي في موقفٍ مضطرّة فيه لأن تقبل بزيادة إنتاجها النفطي أيضاً استجابةً لطلب الرئيس الأميركي، والذي صمد أمام الضغوط الداخلية عليه في منع اتخاذ أي إجراءاتٍ يطالبه بها كثيرون لإيقاف صفقة الأسلحة السعودية، وفرض عقوبات اقتصادية على بعض المسؤولين في المملكة. ولذلك صار قرار السعودية بزيادة الإنتاج من عدمه العنصر الأساس في تحديد أسعار النفط في المدى العاجل.

ما بعد الانتخابات

أما بعد انتخابات منتصف الفترة، فإن أسعار النفط مرشّحة للارتفاع في ظل عودة رئيس الولايات المتحدة للضغط على إيران وفنزويلا وغيرهما من الدول المنتجة للنفط. وإذا حصل هذا، فإن الضغط على المملكة، وغيرها من دول الخليج المنتجة للنفط، لزيادة إنتاجها، سوف يتراجع تدريجياً، وربما تبدأ أسعار النفط بالارتفاع.

إذا حصل ما توقعه ستيف أوستن من وصول النفط إلى 150 دولاراً للبرميل أو أكثر، فهذا يعني أن الأزمات السياسية الإقليمية والدولية سوف تزداد توتراً، وأن الاقتصاد العالمي سيكون مرشحاً للدخول في دورة الكساد التضخمي (Stagflation)، خصوصا إذا صاحبت ذلك أزمة مالية يتنبأ بها بعضهم.

الأيام كما يقولون حبلى بالأحداث، وقد يزيد النفط، بارتفاع أسعاره، درجة الغليان في العالم كله.
المساهمون