على الرغم من النفي الرسمي لوزارة البترول المصرية بشأن اعتزام الحكومة رفع أسعار الوقود "خلال الفترة الحالية"، إلا أن صحفاً ومواقع إلكترونية موالية لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، نشرت العديد من التقارير الإخبارية، في اليومين الأخيرين، حول ارتفاع تكلفة دعم المحروقات نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، مصحوبة بإحصائيات "رسمية"، على غرار التي روجتها الصحف نفسها قبيل زيادة الوقود الأخيرة في يونيو/حزيران الماضي.
ويرى مراقبون، أن نشر تلك التقارير، بمثابة تمهيد لزيادة جديدة في أسعار الوقود، تأكيداً لما انفرد به "العربي الجديد"، في 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بأن حكومة السيسي تدرس اقتراحاً برفع أسعار المحروقات بنسبة تراوح بين 15% و25%، بحلول العام المقبل 2019، بهدف خفض العجز المتوقع في موازنة الدولة، في ضوء ارتفاع أسعار النفط عالمياً إلى حدود 85 دولاراً للبرميل، بزيادة 18 دولاراً عن السعر المتوقع بموازنة العام المالي الحالي (67 دولاراً للبرميل).
وزارة البترول قالت في نفيها إن "ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى مستوى 86 دولاراً للبرميل، هو الأعلى لخام برنت منذ عام 2014، ما يضغط على الموازنة العامة للدولة، ويرفع من فاتورة دعم الوقود، باعتبار أن كل دولار زيادة في سعر برميل النفط يزيد من فاتورة الدعم بنحو 3-4 مليارات جنيه"، مشيرة إلى أن "قرار تحريك أسعار الوقود هو قرار الحكومة بأكملها، وليس الوزارة فقط".
واعتاد المصريون، قبل تطبيق أي زيادة في أسعار الوقود، تكذيب الحكومة الأخبارَ الواردة في هذا الصدد، بغرض أن يكون قرارها مفاجئاً، ولا يتسبب في إحداث أزمة تكدس أمام محطات الوقود، في وقت اكتفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بالتصريح بأن وزارة البترول أكدت أن أنباء رفع أسعار المحروقات "حالياً" غير صحيحة، و"تستهدف إحداث حالة من القلق والبلبلة بين المواطنين".
وقالت صحيفة "اليوم السابع" المملوكة لشركة تابعة للاستخبارات العامة (إيغل كابيتال)، نقلاً عن مصدر رسمي في وزارة البترول، إن التكلفة الفعلية لأسطوانة البوتاغاز المنزلي تصل إلى 161 جنيهاً، في حين يبلغ سعر بيعها للمستهلك 50 جنيهاً فقط، وهو ما يعني أن الدعم المقدم يبلغ 111 جنيهاً، بينما ارتفع دعم الدولة للوقود ما بين 1.7 و3.8 جنيه للتر، على حساب سعر 85 دولاراً للبرميل.
وبحسب الصحيفة، فإن تكلفة لتر بنزين (أوكتان 95) تصل إلى 9.4 جنيهات، بينما يباع بقيمة 7.75 جنيهات للتر، وتكلفة لتر بنزين (أوكتان 92) بنحو 8.8 جنيهات، مقابل بيعه للمستهلك بسعر 6.75 جنيهات، وتكلفة إنتاج بنزين (أوكتان 80) بنحو 7.6 جنيهات، مقابل بيعه للمستهلك بسعر 5.5 جنيهات، وتكلفة السولار حاجز 9.3 جنيهات للتر، مقابل بيعه للمستهلك بسعر 5.5 جنيهات.
الأرقام ذاتها نشرتها صحف "الدستور" و"الشروق" و"البوابة نيوز" بشكل متزامن، ما يوحي بأنها موزعة عليها من "جهة ما"، فيما أعادت "بوابة الأهرام" الحكومية نشر تصريحات السيسي حول ارتفاع دعم الدولة للمواد البترولية إلى 125 مليار جنيه، وقوله إن أعباء الدولة تزايدت نتيجة ارتفاع السعر العالمي من 40 إلى 80 و85 دولارا للبرميل، معتبرة أنه "دائماً ما يصارح الشعب بكل الحقائق والتحديات التي تواجه تحقيق الدولة أهدافها".
كانت مصادر مصرية مطلعة قد قالت لـ"العربي الجديد" إن توقعات ملامسة أسعار البترول حاجز الـ 100 دولار في يناير/كانون الثاني 2019، تضع الحكومة في ورطة حقيقية، في ضوء احتمالية تضاعف قيمة دعم المواد البترولية المتوقعة من نحو 89 مليار جنيه (4.98 مليارات دولار) في الموازنة الحالية، إلى نحو 160 مليار جنيه.
وأضافت المصادر أن هناك صعوبة في إرجاء تطبيق زيادة الوقود إلى يونيو/حزيران المقبل، وهو الموعد المتفق عليه مع إدارة صندوق النقد الدولي لتحرير أسعار المحروقات محلياً، لافتة إلى أن الزيادة المرتقبة في يناير/كانون الثاني المقبل "لن تكون كبيرة"، وتأتي لتقليص حجم العجز الفعلي في دعم المحروقات بموازنة العام المالي الحالي، الذي يبدأ في الأول من يوليو/تموز، وينتهي في 30 يونيو/حزيران.
وأفادت المصادر بأنه "من الأفضل للمواطن زيادة أسعار الوقود على مرتين خلال عام 2019، بدلاً من زيادتها مرة واحدة بنسبة كبيرة"، مشيرة إلى أن قرار زيادة المحروقات هو اختصاص أصيل للسلطة التنفيذية، في ظل موافقة مجلس النواب على برنامج الحكومة، وما تضمّنه من إجراءات لإصلاح (تحرير) منظومة الدعم.
وتعهّدت الحكومة المصرية لصندوق النقد بوصول أسعار الوقود إلى سعر التكلفة بحلول 15 يونيو/حزيران 2019، مع استثناء أسعار الغاز الطبيعي، والمازوت المستخدم في توليد الكهرباء، بذريعة أن أسعار منتجات الوقود في مصر من بين أدنى المعدلات في العالم، على الرغم من الزيادات الكبيرة التي طاولت أسعار المحروقات منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ورفعت مصر أسعار المحروقات، في يونيو/ حزيران الماضي بنسب تصل إلى نحو 67%، للمرة الرابعة في عهد السيسي، بعد زيادتها في يونيو/حزيران 2017 بنسب تصل إلى 55%، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بنسب تراوحت ما بين 30 و47%، وفي يوليو/تموز 2014 بنسب اقتربت من الضعف، لتراوح الزيادة الإجمالية ما بين 400% و500%.
(الدولار=17.9 جنيها تقريبا)