المحروقات في اليمن... هكذا انقلب الحوثيون على تجار المشتقات النفطية

21 ديسمبر 2019
المحروقات أُخضعت للنفوذ السياسي داخل مناطق الحوثيين (فرانس برس)
+ الخط -

تمكن الحوثيون خلال سنوات الحرب الخمس الماضية، من إنشاء سوقهم الخاص بالمشتقات النفطية، من خلال تمكين تجار جدد تابعين لهم، إلى أن أصبحوا هم الذين يتحكمون بجميع عمليات الاستيراد والبيع في اليمن، وذلك بعدما عكفوا بالتزامن مع ذلك، على محاربة جميع التجار السابقين.

وبحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد" في شركة النفط اليمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة في صنعاء، فقد لجأ الحوثيون إلى افتعال العراقيل أمام التجار القدماء وتلفيق التهم لهم بأنهم يتبعون لنظام علي عبد الله صالح والحكومة الشرعية. 

وتجلى ذلك خلال السنوات الأخيرة ببروز تجار جدد جميعهم يدينون بالولاء لجماعة الحوثي وغالبيتهم لم تكن لديهم أي خبرات في المجال النفطي أو سوق المشتقات، ومن أبرز هؤلاء العسيلي والبيضاني وصالح قرشة وعبد الله الوزير ويحيى الوزير، علماً أن هذين الأخيرين كانا يعملان في تجارة الأدوات المكتبية، إضافة إلى تاجر أخر يُدعى العوادي والتاجر علوي العطاس الذي يعمل منسقاً خفياً أيضاً لجماعة الحوثي مع التحالف.
لكن أبرز التجار الذين صعدوا في فترة قياسية، حسبما أفادت المصادر لـ"العربي الجديد"، هو رجل الأعمال "المقبلي" الذي كان يعمل في الأساس بتجارة قطع الغيار، لكنه بات في الآونة الأخيرة المورّد الأول للمشتقات النفطية في جميع المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، حيث يستورد أحياناً أكثر من 7 بواخر نفطية دفعة واحدة مقابل سفينة أو اثنتين لبقية التجار السابقين الذين باتوا عاجزين عن منافسته، حتى أصبحت لديه ثروات وأموال طائلة تُقدّر برُبع مليار دولار أميركي حصدها خلال أشهر قليلة من اقتحامه سوق المشتقات.

ووفقاً لما ذكرته المصادر لـ"العربي الجديد"، فإن معظم تجار النفط الذين صنعهم الحوثي لا يملكون في الواقع حتى محطة بنزين واحدة، كما ليس لهم أي حضور في السوق اليمنية.
ولعل أبرز العائلات التجارية الشهيرة في اليمن والتي يحارب الحوثيون نشاطها في سوق المشتقات هي عائلة توفيق عبد الرحيم التي تملك عشرات محطات الوقود موزعة على جميع أنحاء البلد.

ومن بين الضربات التي سدّدها الحوثيون لعائلة عبد الرحيم هي إيقافهم باخرتين نفطيتين تحملان اسم "تشاهو" و"تشانغ" اللتين كانتا محمّلتان بأكثر من 130 ألف طن من المشتقات، حيث اعترضهما الحوثيون بدايةً في عرض البحر واحتجزوهما في ميناء الحديدة، غرب اليمن، ولم يسمحوا لهما بتفريغ الحمولة إلى السفن الصغيرة ثم إلى الخزانات الخاصة بالوقود.

وطبقاً لمعلومات المصادر، فإنه وبمجرّد أن شعر الحوثيون بأن سماحهم لعبد الرحيم بتفريغ تلك المشتقات سينعكس على سوق تجارهم بدأوا باختلاق مشكلات لا حصر لها، وأوهموا المستورد بأن شركة النفط الخاضعة لسيطرة الحوثي هي التي ستتولى شراء المشتقات منه، وأجبروه على إلغاء الصفقة السابقة، الأمر الذي كبّده خسائر فادحة، خصوصاً أن شحنات المشتقات التي تم استيرادها كان قد ساهم في دفع قيمتها بعض التجار المحليين أيضاً.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد لجأ الحوثيون عقب ذلك إلى مصادرة جميع بواخر النفط التي كان يمتلكها عبد الرحيم ويتجاوز عددها 400 باخرة، حيث استولى أحد المشرفين العسكريين لجماعة الحوثي أيضاً على عدد من ممتلكات توفيق عبد الرحيم التجارية.

وتضيف المصادر أن من بين محاولات إخضاع الحوثيين للعائلة التجارية أيضاً، تلك التي تمثلت بأنه عندما كان يحاول أبناء توفيق عبد الرحيم متابعة مصير سفنهم وتجارتهم، لجأت الجماعة إلى معاقبتهم بالاحتجاز والسجن في منطقة ريدة في محافظة عمران، وصولاً إلى تهديد بعضهم بالتصفية الجسدية.

وليست عائلة عبد الرحيم الوحيدة التي يحاربها الحوثيون، لكن الحال ذاته أيضاً ينطبق على عدد من التجار الآخرين الذين كانوا قبل صعود تجار الحوثيين الجدد يستوردون ما تصل نسبته إلى 80% من احتياجات السوق اليمنية من المشتقات، قبل أن يختلق الحوثيون لهم المشاكل ويتهمون بعضهم بأنهم يتبعون لقيادات النظام السابق على عبد الله صالح، وكذلك نائب رئيس الجمهورية الحالي علي محسن صالح الأحمر، وعمدوا بناء على ذلك، إلى تجميد أرصدة أموالهم في المصارف اليمنية، وتعرّضوا للمضايقات حتى أصبح بعضهم عاجزا عن استيراد أكثر من 10% من نسبة المشتقات التي كانت تدخل إلى السوق.

من اللاعبين البارزين أيضاً عائلة "المفزر" المعروفة بتجارة الغاز منذ عشرات السنين، والتي تمتلك أكبر سلسلة من محطات الغاز في اليمن، كونها قادرة على استيراد أكبر كمية من الغاز وتوزيعها عبر أسطولها الكبير من الناقلات. فما كان من الحوثيين إلا أن هاجموا محطاتها بذريعة أن المفزر تربطه علاقة بمحمد صالح الأحمر، وهو قائد القوات الجوية سابقاً.
وقد أجبر الحوثيون المفزر على إيقاف عمليات استيراد الغاز وبيعه، وأحالوه إلى النيابة العامة للتحقيق معه بشأن مصادر أمواله، وفي الوقت ذاته تفرّغوا لإفساح المجال أمام التجار الجدد التابعين لهم من أجل الاستفادة من غياب أسرة المفزر وبناء أسطولهم من الغاز ومدّ شبكتهم في عموم البلاد، حيث أصبحت لديهم أكثر من 5 آلاف ناقلة غاز خلال أشهر قليلة.

الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي يقول إن هذا الأسلوب الذي اتبعه الحوثيون في صناعة سوقهم النفطي ليس جديداً نظراً إلى سياستهم الاقتصادية التي ينتهجونها منذ بداية الحرب في جميع المجالات، حيث تمكنوا من صناعة أسواق موازية في قطاعات المصارف والأدوية والأغذية والمواد الاستراتيجية الحياتية الأُخرى. وأشار إلى أنه حتى من لا يزال يعمل من التجار الآخرين، فإن الحوثيين يفرضون عليه مبالغ خيالية من الجبايات والضرائب تحت ما يُسمى "المجهود الحربي".

ويشير العوبلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن شركة النفط اليمنية كانت حتى ما قبل الحرب هي المخولة باستيراد المشتقات النفطية وإدارة السوق والبيع لأصحاب محطات التوزيع، إلى أن تم تعطيل دورها تماماً منذ بداية الحرب، سواء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو حتى خارجها.
ويفيد العوبلي بأنه مثلما فعل الحوثيون في تمكين تجار تابعين لهم، كذلك ساهمت الحكومة الشرعية بالسماح لنافذين وتجار مقرّبين منها أيضاً بالسيطرة على عمليات استيراد المشتقات النفطية وبيعها في بقية المحافظات التي لا يصل إليها الحوثيون، وفي مقدّمتهم رجل الأعمال اليمني صالح العيسى الذي أصبح هو الذي يتقدم ويربح جميع المناقصات التي تعلنها الحكومة لشراء المحروقات من الخارج.
المساهمون