عزوف اليد العاملة يؤرق مزارعي الجزائر

13 نوفمبر 2018
الزراعة تعاني من هجرة غير مسبوقة لليد العاملة (Getty)
+ الخط -

 

يواجه قطاع الزراعة في الجزائر هجرة غير مسبوقة لليد العاملة، ما يؤرق المستثمرين وحتى المزارعين الصغار من تعرض القطاع لأزمة حقيقية بينما تراهن عليه الحكومة في إنعاش الاقتصاد المحلي، الذي لا يزال يعاني من تبعات انهيار أسعار النفط قبل سنوات قليلة.

فحسب الأرقام الصادرة عن الديوان الجزائري للإحصائيات، فإن قطاع الزراعة يُشغل حاليا حوالي 950 ألف شخص، ما يمثل 7.1% من اليد العاملة في الدولة، مقابل 1.1 مليون نهاية عام 2016، و2.5 مليون عامل في 2013.

ويبلغ العجز الذي سجله قطاع الزراعة بداية هذا العام حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري قرابة مليون فرصة عمل، ما جعل أصحاب الأراضي والمستثمرات (المزارع) على وجه الخصوص في مواجهة أزمة حادة مع بداية ونهاية كل موسم زراعي حيث غرس المحصول وحصاده.

ويقول عليوي محمد رئيس الاتحاد الجزائري للفلاحين الجزائريين في حديث لـ "العربي الجديد" إن العجز يرتفع في الحقيقة عن التقديرات الحكومية بحوالي 150 ألف فرصة عمل في موسم الحصاد، مشيرا إلى أن موسم جني القمح الماضي شهد تأخرا في الحصاد لنقص اليد العاملة، ما أدى إلى ضياع حوالي 10% من القمح.

في منطقة "المتيجة" المشهورة بزراعة الحمضيات، على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية، يقف المزارع لخضر مداحي عاجزا عن وصف معاناته في إيجاد سواعد لقطف البرتقال واليوسفي مع بداية موسم جنيها.

ويقول مداحي لـ "العربي الجديد" إنه "تأخر في جني المحصول لمدة 13 يوما، وكادت الأمطار الأخيرة أن تذهب بالمحصول"، مضيفا: "أصبح شبابنا لا يثقون في قطاع الزراعة، في الماضي كان أبناء المدن هم من يرفضون العمل في الحقول والمزارع، أما الآن فحتى أبناؤنا في الريف والمناطق الداخلية أصبحوا ينفرون من العمل في الزراعة ويفضلون البطالة عليها أو السفر إلى المدن الكبرى بحثا عن عملٍ قد لا يجدونه".

وحسب التوزيع الجغرافي فإن محافظات شرق الجزائر هي الأكثر تضرراً من نقص اليد العاملة في قطاع الفلاحة بحكم الطبيعة الزراعية للشق الشرقي للجزائر، تليها منطقة الجنوب التي أصبح كبار المزارعين فيها يعانون في بداية كل موسم حصاد في إيجاد عمال يتكفلون بعملية "القطيع" أي قطف التمر ووضعه في الصناديق تحسبا لتسويقه، ما كلف بقاء التمر في النخل وتلفه.

يعاني جمال الدين سيدروحو صاحب مستثمرة زراعية (مزرعة) على غرار المئات من الناشطين في مجاله من مشكلة غياب اليد العاملة، التي باتت تؤثر سلبا على القطاع الزراعي وحتى القطاعات المتصلة به كالصناعات الغذائية التحويلية، فالمشهد نفسه يتكرر حسب جمال الدين عند موعد الحصاد.

ويقول جمال الدين الذي تقع مزرعته في محافظة "أم البواقي" 450 كيلومترا شرق العاصمة إن "الصعوبات التي يواجهها المزارعون تحولت من مشاكل تقنية إلى مشاكل متعلقة بالعامل البشري"، مضيفا :"ما نقدمه أجرة يوم واحد يعادل أو يفوق أحيانا أجرة ما يقدمه أصحاب مقاولات البناء، إلا أن الشباب أصبح يفضل قطاع البناء على الزراعة".

في السياق ، يرى محمد عامر دواجي الخبير في الفلاحة أن "الحكومة شاركت من حيث لا تدري في ارتفاع العجز في اليد العاملة في قطاع الفلاحة، بعد إطلاقها لبرنامج دعم وتشغيل الشباب المعروف باسم الأونساج، حيث سهلت على الشباب الحصول على قروض لإنشاء شركات صغيرة دون مراعاة الطابع الجغرافي ولا التكوين الدراسي والمهني للشباب وبالتالي أصبح الشباب يفضل الحصول على قروض بنكية طويلة الأمد عوض دخول الحقول والمزارع".

وأمام هذه الوضعية لم يجد الكثير من المزارعين والمستثمرين من حلٍ سوى بالاستنجاد باليد العاملة الأجنبية من أفارقة مهاجرين ومغربيين الذين أصبحوا الخيار الأول، بل دعا بعضهم إلى السماح باستصدار رخص عمل رسمية للعاملين الأجانب.

وهو الخيار الذي تبناه المزارع أخضر غوماري من محافظة البويرة (100 كلم جنوب شرق العاصمة)، حيث فضل "تشغيل أفارقة مهاجرين بأجرة يومية، عوض تضييع وقته في مفاوضة شباب لا رغبة له في العمل رغم عدم وجود أي فرص لهم للعمل خارج هذا القطاع في المحافظة التي ينشط بها" وفق رأيه.

يُذكر أن قطاع الفلاحة في الجزائر مسه التقشف على غرار باقي القطاعات حيث تقلصت الميزانية التي خصصتها الحكومة للقطاع في سنة 2017 إلى 212 مليار دينار (1.79 مليار دولار) مقابل 254 مليار دينار (2.14 مليار دولار) في 2016، بالرغم من مراهنة الجزائر عليه بجانب الصناعة والسياحة لفك ارتباط الاقتصاد الجزائري بأموال النفط التي تشكل 94% من مداخيل البلاد.

المساهمون